انتصار المرابطين...دروس وعبر / محمد ولد سيد أحمد

altأصبح يوم 20 يوليو 2013 يوما تاريخيا بمعنى الكلمة نقش بقوة في التاريخي الجمعي الموريتاني، ذات شحنة معنوية لدى كل موريتاني، شحنة مليئة بالروح الوطنية المفقودة، ليس لا وهو اليوم المشهود الذي تأهل في أول فريق يلبس الألوان الوطنية و يحمل  لقب الأجداد في المحافل الدولية.

الروح الوطنية التي أعادها شباب موريتانيون عاشوا و ترعرعوا في شوارع العاصمة، شربوا و أكلوا بين حواريها، تعلموا و صقلوا مهاراتهم على أرصفتها و بين  شوارعها. شهدت لهم أزقت لكصر و شوارع عرفات، و ملاعب السبخة المتواضعة بالوفاء و حب الوطن، كانت تلك البقاع تمني النفس دوما أن تخرج من ينتشل الكرة الوطنية من براثن الفشل التي كتبت لها طوال السنين الماضية. كانت تلك الشوارع شاهدة على ميلاد جيل كروي موريتاني بحت بعيدا عن التجنيس وأخواته، كتب له أن يكون أول جيل موريتاني يحمل الألوان الوطنية إلى محافل قارية و دولية. كما سيشهد التاريخ لجيل إداري كروي موريتاني كان وراء الإنجاز فخطط وعمل بجد من أجل اللحظة الفارقة، فحصد الفرحة  بعيدا عن المصالح الضيقة. قدم هذا الجيل رسائل و دروسا قوية لإداريي البلد  في الإخلاص و التفاني و الإنجاز و الوطنية التي نحن في أمس الحاجة إليها. أدخل هذ الجيل المتكامل من لاعبين و إداريين و فنيين و حتى مشجعين البسمة على ثلاثة ملايين مواطن في أنحاء بلاد شنقيط. فلله الحمد و الشكر أن عشنا هذه اللحظة الفارقة.

 

ليلة في داكار

 

في صباح هادئ من أيام داكار المشمسة وفي مباراة الذهاب ضد السنغال، كان لي شرف زيارة هذه النخبة و الاحتكاك بها عن قرب قبل المباراة التي خسرناها بهدف، لقد أدركت حينها أنهم حقا يستحقون تمثيلنا، لأنهم منا ببساطة.

كؤوس الشاي التي كان يصنعها حارس العرين سليمان دجالو رفقة نخبة من اللاعبين كانت تضفي على الجو لمسة خاصة ذات بعد أصيل. أما الآيات القرآنية التي لفتت انتباهي من غرفة يعقوب لاعب الارتكاز فقد أكدت البعد الشنقيطي العلمي، بعد الأجداد "المرابطون". كما أحسست حينها بعدما التقيت بباقا و تيك وكوليبالي بمكانية تحقق الحلم و الإنجاز. بعد المباراة رجعت للفندق التقيت ببسام رجل مباراة موقعة انواكشوط ،كان معكر المزاج ينظر للأفق البعيد، كان تضايقه من عدم مشاركته في المباراة واضحا. تأكدت أن هنالك خطأ ما، و الحمد لله تم تداركه في المباراة العودة.

 

ليست مجردة لعبة!

لم تكن مجرد لعبة كرة قدم بسيطة، أو مباراة غير مهمة، أو انتصار باهت، بل يتعدى كل ذالك ليجمع المتناقضات و يعيد شمل ما تفرق، فليلة 20 يوليو خرج كل الموريتانيين من أجل شيئ واحد وهو "موريتانيا"، لقد كان درسا في الوطنية قدمه شباب في مقتبل العمر للنخبة السياسية الموريتانية المتصارعة بينها، كانت رسالة مهمة لأعداء الوحدة الوطنية و اللحمة الاجتماعية المتلاعبين بكيان الشعب. لم يكن مجرد انتصار عادي، بل تعدى كل ذالك ليقدم الرسائل و الدروس و العبر لكل مشكك في وحدة ووطنية الشعب الموريتاني العظيم.

 

دروس وعبر

 

إذا كان الإنجاز و المكسب فرصة للتأكيد ما سبق فإنه أيضا يمثل فرصة للكادر الإداري و الفني في الاتحادية الموريتانية لكرة القدم على أن يستفيد من أخطاء الماضي  التي كادت أن تبعد الحلم. وفتح صفحة جديدة عنوانها استشعار المسؤولية التي يضعها الشعب الموريتاني ككل على عواتقكم. العارف بالشأن الرياضي الموريتاني يعرف جيدا أن هنالك أخطاء فادحة من الماضي البعيد كانت وراء الفشل الدائم للكرة الموريتانية، وبعد أن بدأنا في تجاوزها كانت الثمرة كبيرة  الجائزة أكبر، لذا لابد من مراجعة الماضي لأن الطريق طويل. من بين هذه الأخطاء التي وقعت فيها الاتحاديات السابقة وهذه الاتحادية التجاهل المتعمد لبعض الكوادر الوطنية التي بإمكانها أن تساهم في  النهضة الكروية للبلد، فالعمل الجماعي الخالي من أي حقد أو احتكار والذي يغلب المصلحة الوطنية على كل شيء هو ما سيصنع الفرحة في المرحلة القادمة. إذا تمت المصالحة مع الأجيال الرياضية الماضية والقيام بمراجعة تامة للسياسات الكروية في الفترة الماضية حينها بإمكاننا أن نقول بكل فخر إننا انتقلنا إلى مرحلة جديدة في تاريخ الكرة الموريتانية. وهنا أذكر كم من أسطورة و كادر مبعد غصبا عن هذا الإنجاز وعن الكرة الموريتانية بشكل تعسفي أمثال ابراهيم المالحة و سيدي ولد سيدها و غيثي وخونة...إلخ و غيرهم ممن حملوا مشعل الكرة الموريتانية يوما من الأيام.

إن المسؤولية الأخلاقية لأصحاب الإنجاز تجعلهم ملزمين  اليوم قبل الغد بعدم تكرار أخطاء الماضي وتجاوزها نهائيا حتى لا نرجع للمربع القديم، مربع الفشل.

 

ما بعد الانتصار!

ستمر الأيام بسرعة، وسرعان ما ننسى الفرحة الماضية و نبدأ في التطلع للقادم، القادم الذي يحمل النصف الثاني من الحلم، لذا وجب التذكير بما سبق حتى لا نقع في نفس الأخطاء. من الجانب التقني على المدرب الوطني نفييه أن يركز أكثر على اختيارات اللاعبين  و يتفادى أخطاء الماضي، فقد تعمد باتريس إقصاء لاعبين أكفاء يستحقون اللعب مع المنتخب . من أخطاء باتريس نفييه و التي كادت أن تسرق الحلم عدم إشراك بسام في المباريات الماضية، لكنه خضع أخيرا لضغط الجماهير الرياضية والصحافة، فكانت النتيجة واضحة للعيان. لقد بات من شبه المؤكد أن باتريس في طريقه لتجديد عقده و هو ما يجعله أمام مسؤولية أكبر وإلزامه من طرف الاتحادية الجمهور الرياضي بعدم تكرار الأخطاء لفادحة التي كادت أن تسرق الحلم.

كما وجب التذكير أيضا  أن هذا الإنجاز جعلنا - للأسف - نصبح رهائن لنشوة   تعمي الأبصار وتزكي النفوس التي أصبحت فجأة لا تخطأ. جعلنا هذا النصر ننسى أننا أمام طريق طويل لم نخط منه إلا خطوة واحدة.

وأختم بعتاب بسيط على زملائي في الصحافة الرياضية..... كان الأجدر بنا  أن نركز على القادم لأن دورنا لا يقل أهمية عن صانعي الإنجاز بدل الانتشاء والانتشاء حتى الثمالة، و نسيان ما هو قادم.

 

محمد ولد سيد أحمد [email protected]

25. يوليو 2013 - 8:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا