ذروني أقتل "مرسي" / د. عبد الله محمد عبد المالك

altقد يكون من غير اللافت للانتباه استدعاء قصة موسى عليه السلام و فرعون عند الحديث عن أية مواجهة  بين الدعوة و الإصلاح من جهة و بين الطغيان و الاستكبار من جهة أخرى ، إلا أن ما يجري في مصر الآن بين "السيسي" وجنوده و بين  الرئيس محمد مرسي و أنصاره يدعو إلى الربط بين القصتين من جوانب عدة اكتفي منها بما يلي :

- من التقنيات التي يتكأ عليها في الربط بين قصتين أو روايتين ، تشابه أسماء شخوص العملين أو تقاربها بحيث يسهل على القارئ استحضار الشخصيات الأصلية ، مما يحقق قدرا من الترابط و الاندماج بين النصين ، وتدخل هذه التقنية في  ظاهرة أكبر تدعى في الدرس الأدبي والنقدي "التناص" ، و لا يخفى هنا  ما بين "موسى" و"مرسي" و بين "منفتاح بن رمسيس الثاني"ـ وهو كما ذكر الدكتور سيد طنطاوي في ستة مواضع من تفسيره "التفسير الوسيط" ، اسم فرعون موسى ـ وبين "عبد الفتاح السيسي" من تناغم وتصاقب لا شك  أنه ليس من صنع كاتب و لا من وحي خيال.

ــ المتأمل في خطاب السيسي يجد من الواضح فيه حرصه على الوطن  والدين و الاستقرار والسلم الاجتماعي ، فإزاحته للرئيس المنتخب كانت ضرورة لتحقيق ذلك كله، وهذا نفسه ما سعى إليه فرعون ( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) ــ كانت دعوة موسى عليه السلام دعوة سلمية ، لا يريد أهلها  أكثر من السماح للناس باتباع  ما رأوه حقا وعدم مصادرة آرائهم أو تعذيبهم  (أن أرسل معنا بني إسرائيل  ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى) وكان منطق فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سواء السبيل) (ما علمت لكم من إله غيري) .و من جانب الرئيس مرسي و أنصاره فإن غاية مطالبهم أن تحترم إرادة المصريين و يتاح لمن ولوه أمرهم في انتخابات حرة ونزيهة أن يكمل مأموريته ، ويمنح الشعب بعد ذلك ثقته لمن شاء، وهذا من وجهة نظر السيسي عبث لا طائل من ورائه ، فهو من يعزل و يولّي و شعوره بالمسؤولية و حرصه على الأمة جعله يضع لهم خارطة طريق  لا محيد لهم عنها ولا يرى لهم غيرها " ومن سولت له نفسه إمكان الرجوع عنها فهو واهم". ــ دعا فرعون إلى حشد الناس وجمعهم ليروا لمن تكون  الغلبة (و قيل للناس هل أنتم مجتمعون)فهذا كما يقول الطاهر بن عاشور "استحثاث للناس على الاجتماع ،فالاستفهام مستعمل في طلب الإسراع  بالاجتماع" و في الآية الأخرى (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) (وابعث في المدائن حاشرين) ، و لا يخفى اعتماد السيسي من أول أمره على حشد الحشود متعهدا أن يوفر لها الأمن والغذاء ،وهو قبل ذلك يثني عليها أجمل  الثناء  ، فهم المواطنون الشرفاء....، أما من سواهم فهم (شرذمة قليلون )، ولن نقابلهم إلا بالرصاص حتى ولو كانوا سجدا ، أو صبية ونساء عزلا.

ـــ طلب فرعون تفويضه ليقتل موسى و الذين آمنوا معه (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) ومتى كان يطلب فرعون تفويضا أو يستمع إلى أحد ، وحسب رأي الشهيد سيد قطب "يبدو من قوله : { ذروني أقتل موسى } . . أن رأيه هذا كان يجد ممانعة ومعارضة من ناحية الرأي كأن يقال مثلاً : إن قتل موسى لا ينهي الإشكال . فقد يوحي هذا للجماهير بتقديسه واعتباره شهيداً ، والحماسة الشعورية له وللدين الذي جاء به ، وبخاصة بعد إيمان السحرة في مشهد شعبي جامع ، وإعلانهم سبب إيمانهم ، وهم الذين جيء بهم ليبطلوا عمله ويناوئوه ". ، كذلك طلب السيسي من الجماهير تفويضه لمحاربة ما أسماه العنف و الإرهاب ، ولا يخفى على أحد من يريد وما يريد ، لكن متى كان السيسي يطلب تفويضا ؟وهل طلب تفويضا عندما عزل رئيسا منتخبا وعطّل العمل بالدستور وووو ، ؟ وهل تحتاج محاربة العنف و الإرهاب إلى تفويض بعدما أجمع العالم كله على محاربته ، ووضعت القوانين الكفيلة بذلك ، إن السيسي كما يقول أحد المحللين يكون خائنا ومقصّرا إذا لم يحارب العنف و الإرهاب ، لكن أي عنف , أي إرهاب ؟ لاشك أن السيسي وجنوده ومرتزقته هم اليوم في مصر مصدر العنف والإرهاب ، فليكف الناس شره وليبدأ بنفسه.

إن شعور السيسي بضغط الشارع المتواصل الذي لا تزيده الأيام إلا اشتدادا ، ولا العنف و الإرهاب إلا صمودا و إصرارا،  هو ما جعله يستنجد بملئه و يستغيث بغوغائه ، وكأن لسان حاله يقول "ذروني أقتل مرسي" .

 

[email protected]

26. يوليو 2013 - 16:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا