خرائط التسويات أو دسائس المؤامرات، ثقافة أمريكية صهيونية سوقتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للمنطقة العربية وكونت عليها أجيالا من المدنيين والعسكريين العرب وقد حققت تلك الخرائط الكثير من الكاسب الأمنية الهامة لدويلة إسرائيل
ونجحت في تهميش القضية الفلسطينية وتراجع التأييد الرسمي للمقاومة المسلحة واستخدمت الخارجية الأمريكية مفهوم الخارطة مجددا للحديث عن التحولات الديمقراطية المسموح بها في منطقة الشرق الأوسط لكن ثورات الربيع العربي باغتتها وقضت علي آمالها قبل أن تكتمل الخارطة المزعومة، فما طبيعة مفهوم الخارطة وما علاقتها بالديمقراطية ،وما معني حشد الجماهير لتبرير الإنقلاب علي الدستور والقانون؟
قائد الإنقلاب العسكري في مصر "السيسي" يتبع أسلوبا يضيف لثقافة الإنقلاب علي الشرعية أبعادا إديولوجية خطيرة، لعلها المرة الأولي التي يتبني فيها قائد عربي إديولوجية الخداع الأمريكي "الخارطة" المعروفة منذ عقود وينفذ بوقاحة - فاقت كل التصورات- أجندة المخابرات الصهيونية.
من أولبرايت إلي باور إلي رايس إلي اكلينتون حملوا جميعا مفهوم خارطة الشرق الأوسط الجديد التي أعدتها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وبشرت الحكام العرب بتغيير ديمقراطي يحفظ مكاسبهم ويضمن مستقبل عمالتهم ويحقق الأهداف الأمنية الكبري لإسرائيل وذلك من خلال تعظيم سطوة الجيوش العربية وترسيخ دورها السياسي
إديولوجية الخرائط هذه تمارس اليوم مع السيسي في مصر وأمس مع عزيز في موريتانيا (مع فارق الأهمية).
أبرز ملامح سياسة "الخارطة" أنها تعتمد علي القوة العسكرية بالدرجة الأولي وتتيح للقادة العسكريين والجنود دخول المعترك السياسي كبديل عن ميادين الحرب والقتال -غير المرغوب فيها لدي الجيوش العربية أصلا- كما تعتمد هذه السياسة علي الدعم الغربي القوي وغير المباشر وتسلك الخارطة نفس الطريق الديمقراطي الشعبوي من خلال توظيف قدرة الجيش علي الحشد بمجرد صدور الأوامر نظرا لسهولة خلع البدلة العسكرية وارتداء الزي المدني وترديد الشعارات والهتاف وهي أساليب ديمقراطية اكتشفت "إديولوجية الخارطة" أن الجيوش العربية هي الأقدر علي استيعابها وممارستها بشكل حرفي لافت ، فمن يشاهد ميدان التحرير في مصر وهو يكتظ عن آخره بفتية في نفس العمر وبذلك الإنسجام والحماس يدرك لا محالة أنهم الجنود وقد ارتدوا ثياب ديمقراطية الخارطة.
إن حشود السيسي هي نفسها حشود ولد عبد العزيز ومعاوية وبن اعلي ومبارك وغيرهم من القادة العسكريين الذين استخدموا المؤسسة العسكرية لأغراض دعائية شعبوية ، فمؤسسة الجيش في الدول العربية فقدت مصداقيتها وعاشت ضياعا وركودا وكادت تخرج من ذاكرة الجماهير بعد أن توالت الهزائم وتبددت الآمال وضاعت الأحلام وتوفي القادة العظام (جمال عبد الناصر وصدام حسين).
عاشت تلك المؤسسة إثر ذلك انحطاطا وجمودا وترديا علي جميع المستويات و بدأت الأنظمة العربية تبحث لهذه المؤسسة عن دور جديد ،هكذا وجدت الإدارة الأمريكية فرصتها سانحة في تحويل المؤسسة العسكرية العربية إلي وكر للإديولوجيا السياسية القائمة علي مشروع الخارطة كبدليل عن الديمقراطية الحقة التي بدي واضحا أن نتائجها لن تكون في صالح الأهداف الكبري للخارطة أو بالأحري لأمريكا وإسرائيل إن الدول العرب أمام امتحان للإرادة الحرة والوعي المستنير فإما: أن يقبلوا بسياسة "الخارطة" التي تجعل الجيش وصيا علي السلطة ومحركا أساسيا لجميع مجريات الفعل السياسي العربي وعندها ينبغي أن يصمت المثقفون بكل أشكالهم (القوميين والديمقراطيين واللبراليين واليساريين والإسلاميين وغيرهم) وأن يفوضوا للجيش أمر السياسة والحكم .
وإما أن يتحد الجميع في وجه المؤامرة التي إن نجحت في مصر – لاقدر الله- فإنها ستعيد أنظمة الحكم المستبد في قناع جديد وخطير ولن تشهد المنطقة بعدها فرصة للتحول الديمقراطي أو التحرر أو حتي التنمية الإقتصادية والبشرية وهي مرتبط بعضها ببعض.
إن الوقوف مع الرئيس المصري المدني الشرعي الذي جاء بانتخابات نزيهة وعلي إثر ثورة شعبية عارمة كثمرة للربيع العربي واجب علي كل مخلص وشريف، وهذا الوقوف ليس وقوفا مع فريق سياسي بغينه ولا هو مناصرة لطرف ضد آخر ولكنها مسألة وعي أو جهل، تقدم أو تأخر، تطور أو تراجع ،بعبارة واحدة إنه وقوف مع الحق ومع الديمقراطية الحقيقة .
إن علي الشعوب العربية أن تفهم معني الخارطة ومدلولاتها السياسية كما نادت بها سوزان رايس (وزيرة خارجية أمريكا الأسبق) ويعمل السيسي علي تنفيذها في مصر (قلب العروبة و الإسلام النابض) كمدخل لإعادة إنتاج أنظمة حكم عربية مقنعة ومتخلفة .