السابع عشر من رمضان بين الأمس واليوم / محمد فال ولد الشيخ

altتطل علينا هذه الليلة ـ ليلة السابع عشر من رمضان ـ ذكري جليلة وعظيمة لها مكانة خاصة فى قلب ووجدان كل مسلم ومسلمة لأنها ذكري غزوة بدر الكبري التى نصر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام بعدما أروا الله من أنفسهم الصدق والإخلاص،

 وبعد أن سطروا أروع أمثال البذل والعطاء وأشد مظاهر التضحية والفداء فكانت معركة فرقان بين الحق والباطل بين الإسلام والكفر ، كما كان السابع عشر من رمضان عبر التاريخ الاسلامي يوما من أيام الله الخالدة التي من الله على المؤمنين فيها بالنصر والتمكين فى مختلف الأزمة والامكنة فكانت فيه المعارك الكبري الفاصلة والانتصارت الخالدة فى التاريخ الاسلامي كمعارك : اليرموك وحطين والزلاقة... .

وفى السابع عشر من رمضان من هذا العام لا بد أن نتوقف ونحن نستذكر هذا التاريخ المجيد ونستعيد هذه المناسبة الفارقة من تاريخنا ومسيرتنا أن نتوقف عند حاضرنا الماثل وواقعنا الذي نعيش للنقارن بينهما ثم لنستخلص العبر والدروس ، ليس من أجل التحسر والتفجع وإنما من أجل معرفة الداء وتوصيفه الدواء .

واقعنا أيها الإخوة الكرام يحدث عن نفسه لا يحتاج إلى من يحدث عنه إنه واقع مرير يندي له الجبين يُفرح العدو الشامت ويُحزن الصديق المشفق، فالأمة تعيش حالة من التردي الاخلاقى والتخلف المعرفي ومشهدا من الضياع والتخبط والتفكك والتشرذم السياسي والاقتصادي والاجتماعي فضلا عن فقدان السيادة وتغييب الارادة وتزييف الوعي .

هذه الامة العظيمة ذات التاريخ المجيد الذي امد لأربعة عشر قرنا من العطاء العلمي والمعرفي ومن الوهج السياسي والحضاري ترزح الآن تحت نير الاحتلال المباشر أو غير المباشر وتعيش حالة تبعية تامة لأعدائها عبر أدواتهم ووكلائهم فى الداخل ، تبعية اقتصادية وسياسة وثقافية وأي محاولة للخروج من هذا الحالة وأي سعي أو مجهود لكي تمتلك الأمة قرارها وتتحكم فى مصيرها من أي دولة أو أي حاكم تواجه تصطدم بموقف صلب رافض لأي تغيير أو تبديل.

وسأحاول بهذه المناسبة الجليلة والذكري العطرة أن أذكر بأهم التحديات والعقبات التى تواجه الامة المسلمة والمجتمعات العربية فى الوقت الراهن ،وأن أحلل أبرز أسبابها ونتائجها حتي تتضح الصورة وتعرف على واقعنا بوضوح ودقة لنتمكن من تجاوزه وتخطيه . وهذه التحديات هي:

 

أولا : أزمة الحكم والادارة :

هذا هو عنوان العناوين كما يقال ولب أزماتنا ومشاكلنا بل هو سبب الصراعات قديما وحديثا ولم تتقدم أي أمة أو تتطور الا بعد أن حسمت طريقة اختيار الحاكم ونظمت ذلك فى قوانين وإجراءات لا يمكن تخطيها ولا تجاوزها،

أما فى بلداننا العربية فمازلت مشكلة اختيار الحاكم وآلية مساءلته وعزله غائبة او مغيبة وليس لدينا من وسيلة لاختيار الحاكم أو طريقة لمساءلته وعزله الا ما كان عند الشعوب البدائية والمجتمعات القديمة ( أي قانون القوة )فمن يملك القوة والسيف يحكم ويملك الى ان يأتي من يفوقه قوة وبأسا فيُزيحه ويسقطه سلما أو حربا وهكذا دواليك ، هذا الوضع لم يعد مقبولا ولا معقولا ولا بد من حسم هذه المعضلة وتجاوزها حتي يتسني للمجتمعات المسلمة أن تحقق تقدما أو تبني نهضة

وقد بذل المفكرون والكتاب المعاصرون جهودا مضنية من أجل التأصيل والتنظير وطرح رؤي سياسية وقواعد قانونية نابعة من ثقافة الامة ومنسجمة مع قيمها ومبائها تضمن للأمة حقها اختيار الحاكم وعزله وفق آليات محددة وشروط مفصلة من أجل التغلب على هذه المعضلة وتجاوز هذه المشكلة كل تلك الجهود باءت بالفشل ليس لأن هذه النظريات لا تصلح أو أنها لا تناسب الظرف أو المجتمع بل بسبب المطامع السياسية والتدخلات الخارجية التي تريد أن تبقي حالة الطغيان والاستبداد وعوامل الشقاق والفرقة موجودة فى هذه الامة حتي تسهل السيطرة عليها والتحكم فى ثرواتها وخيراتها فالقوي الدولية الكبري وأدواتها الاقليمية وأذرعها المحلية لا يريدون أن تمتلك الامة قرارها ولا أن تحدد خيارها ، وتملك سيادتها واستقلالها .

ثانيا: الانهيار الاقتصادي: تعيش أغلب الدول العربية حالة من الفشل الاقتصادي والتردي المعيشي للسكان والمواطنين وحالة من التفاوت الصارخ بين فئات المجتمع وطبقاته بسبب سوء التوزيع وغياب العدالة الاجتماعية ، فأغلب المواد الضرورية تستود من الخارج وكل المحاولات التي بذلت لتتمكن الامة ـ التى تمتلك أخصب الاراضي وأحسن المزارع ـ كل الجهود التى بذلت لتحقيق الاكتفاء الذاتي والغناء المعيشي (زراعة القمح مثلا ) سواء فى السودان أو فى السعودية أيام حكم الملك فيصل رحمه الله أو أخيرا فى مصر فى عهد الرئيس مرسي ـ فك الله أسره ـ كل هذه المحاولات أجهضت ووضعت العقبات فى طريقها حتي تلتهم المصانع الاوربية والامريكية كل المواد الخام والاولية التى تزخر بها دول العالم العربي والاسلامي .

 

ثالثا : التفكك الاجتماعي

أما التفكك الاجتماعى وانتشار الحروب وتغذية النزاعات بين الدول العربية وداخل المجتمعات المسلمة فهو أمر واضح وجلي بارز للعيان فقد تم التحكم فى الثورات الربيع العربي وتمكنت قوي الثورة المضادة وظهيرها الخارجي من تحويل مسار الثورات العربية وحرفها عن بوصلتها ومازالت هذه القوي  فى سعي حثيث لإعادة إنتاج أنظمة لاتختلف عن تلك التي أطاحت بها هذه الثورات ، وجري كل ذلك بتخطيط هادئ وتدبير ماكر وبأسلوب بارع لا مثيل له فى تاريخ الصراعات فى عصرنا الحديث .

فقد دمر الطغيان الأسدي سوريا وأتي على المجتمع والدولة ولم ييقى هناك سوي أطلال بالية تشهد على ما وصلت إليه الهمجية والسادية  التى كانت تحكم في سوريا ويريد النظام الاسدي وحلفاؤه الشعوبيون والطائفيون له أن يستمر وأن يتواصل .

أما العراق فقد سلمه الامريكان على طبق من ذهب لمليشيات إيران الطائفية ومجاميع الاحزاب الموتورة التى هدمت كل بنيان وأتت على البشر والحجر وقضت على اليابس والاخضر ، وفقدت الامة العراق بكل موارده وعقوله وتاريخه وتركته بيد حفنة من الشعوبيين والطائفيين ، وأصبح ملحقا بنظام الملالى فى ايران وجزء من سياسته ومنظومته .

ثم زحف التفكك على  بقية الدول على بقية الدول والمجتمعات المسلمة وتمدد ليصل الى مصر وفلسطين مرورا بليبيا وتونس والقائمة تطول .

ذكري السابع عشر من رمضان تأتي على الأمة المسلمة اليوم وهي بهذا المستوي من التردي والتفكك والإحباط هذا هو واقعنا المرير وما نعانيه من تحديات ومشاكل وهو تحليل صادم لبعضنا ومحبط له ولكن الحقيقة الكاشفة هى عنوان الانطلاق الصحيح والوسيلة الاولى لتجاوز النكبة والتعالى على الفشل ونحن بعون الله واثقون بأنها غمة ستنكشف وأزمة ستنجلى ان شاء الله فهذه الامة المجيدة تختزن بداخلها عوامل القوة وعناصر التحدي ، وتمتلك رصيدا تاريخيا كبيرا، ومشروعا حضاريا عظيما ، وهي قادرة على تجاوز هذه العقبات وتلك التحديات ان شاء الله ويسألونك متي هو قل عسي أن يكون قريبا ، كل عام وأنتم بخير وكل رمضان وشعبنا وأمتنا الاسلامية بخير وعلى خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  

28. يوليو 2013 - 16:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا