لا يكفي إيران أن أصبح لها أتباع في أرض شنقيط يقلدون الخامنئي في طهران والسيستاني في العراق تقليد الأعمى قائدَه، ولا يكفيها أن أصبحت حوزاتها العلمية - التي تدرس العقيدة الشيعية الإثني عشرية والمذهب الفقهي الإمامي - تستقبل "طلاب العلم" جهرةً من أرض شنقيط أرض المنائر والمحاظر والعلم الشرعي الأصيل والمعتقد الصحيح.
في موريتانيا منذ سنوات شبكة تستقطب الطلاب للدراسة في إيران خارج أي إطار رسمي، وأذكر أن أحد أصدقائي الشباب حدثني قبل ستة أعوام تقريبا عن حصوله على فرصة للدراسة في إيران عن طريق شخص قال إنه يعرف شخصا آخر له علاقة بوزارة الثقافة الإيرانية، لكن ما أثار انتباهي حينها أن صديقي قال لي إن الرجل الذي دعاه إلى الدراسة في إيران رفض أن يبوح له باسم الوسيط ذي العلاقة المباشرة بإيران، وهو ما بعث الشك والريبة في نفس الشاب ودفعه – مع أمور أخرى - إلى التراجع بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الشحن إلى مدينة "قم المقدسة".
كان بعض "الطلاب" الموريتانيين يشحنون في السابق إلى حوزة "قُم" خفية ويستقطبون عن طريق وسطاء متشيعين أو مأجورين، وكانت الوفود وما زالت تزور طهران وقم ومشهد دون علم أو تنسيق مع السفارة الموريتانية هناك، بل إن بعض هذه الوفود يتجنب أحيانا السفر المباشر من نواكشوط ويستبدله بدكار.
إن العارف بطبيعة أعمال إيران وأساليب تسربها المذهبي، وبطبيعة أداء "الحوزات" في نشر المعتقد الشيعي وإسناد السياسة الإيرانية لا يشك لحظة في أنها تطمح إلى إنشاء "حوزة علمية" في موريتانيا كما فعلت في السنغال، وقبل ذلك تطمح إلى التغلغل في النسيج المحظري الوطني لتوجيهه واستمالة بعض أشياخه الطيبين بالمال والمساعدات.
اليوم تسهم سفارة طهران في تمويل أول قناة دينية تحمل اسم "المحظرة" وهي خطوة رغم رمزيتها تقصّر طريقا تشقه هذه الدولة حثيثا إلى حصن الهوية الأول والأخير في المجتمع، إلى المحاظر التي يحاصرها النظام السمسار حصارا ماديا ومعنويا ويعرضها للبيع الثقافي بقصد وبغير قصد.
حتما لن تنكل إيران عن التولّج والتسرب إلى كل مدًى يفسحه أمامها "نظام البيع" الذي يحكم البلاد الآن؛ النظام الذي يبيع الأرض ومن عليها وما عليها وما تحتها، يبيع مذهب الإمام مالك وعقيدة الأشعري وطريقة الإمام الجنيد بعرض من الدنيا قليل.
لقد كتبت من قبل مقالين عما تخطط له إيران في بلاد شنقيط تحت عنوان "انتبهوا لسفارة إيران"، وأشرت فيهما إلى العلاقة الفاسدة التي أصبحت تربط هذه الدولة بالمملكة المغربية وجمهورية السنغال اللّتين طردتا سفيريها بعدما اكتشفتاه من سعيها إلى خلخلة الأمن وبناء تنظيمات عقائدية تابعة للولي الفقيه، وبعدما انفضح من أمر الأسلحة التي كان الحرس الثوري يمد بها الانفصاليين في الجنوب السنغالي.
الآن يبدو أتباع الولي الفقيه في موريتانيا أصواتا مشتتة وقليلة، لكنهم غدا سيصبحون "أقلية مضطهدة" تدعى المظلومية وتذرف الدموع وتخمش الخدود، ثم عما قليل سيفيق الموريتانيون – إن أكمل هذا النظام طريقه في بيع الهوية- على البيان الأول لـ"حزب الله الموريتاني" أو "جيش المهدي الموريتاني" أو "فيلق بدر" بقيادة آية الله بكار الموريتاني، أو كتائب كالحوثيين في اليمن، ثم ليفتح الشعب بعد ذلك باب الاحتمالات المظلمة على مصراعيه.. فأبعدوا المحاظر عن إيران قبل تجلسوا على صخرة الكسعيّ أيها الموريتانيون.