مذابح ما بعد الثلاثين من يونيوردة حضارية / محمد الحافظ الغابد

altمثلت عملية الانتقال الديمقراطي في مصر نموذجا وأملا لكل العرب والمصرين بإرساء معالم الدولة الديمقراطية الحديثة التي طالما حلموا بها وتمنوا لو تتاح لهم فرصة إرساء معالمها حتى يتمكنوا من العيش بسلام واطمئنان بعيدا عن تهديدات

 الدولة المملوكية التي عرفها تاريخ مصر طويلا أو الدولة البوليسية التي أممت الفعل السياسي لفترات طويلة وأنشبت أظفارها في واقع الحياة وكتمت أنفاس الشعب المصري لأكثر من خمسة عقود تطور خلالها الاقتصاد وأوضاع الناس لكن الاجتماع السياسي ظل متخلفا ومملوكيا إلى أبعد حد.

لقد شكل تبني قيادة الجيش المصري ممثلة في الفريق أول عبد الفتاح السيسي لتحرك الثلاثين من يونيو ضربة قاصمة للمسار الديمقراطي في البلاد ليس على مستوى الظرف الحالي وما يلفه من صراع سياسي ودماء وأشلاء تناثرت خلال شهر كامل من الصراع والتعبأة والحشود في اتجاهات مختلفة وإنما لكون الجيش خرج هذه المرة عن حياده ودشن ردة حضارية مخزية وبدأ في ولوج العملية السياسية بشكل مباشر ولن يردعه عن المواصلة في هذه الرغبة إلا تحطم أحلامه هذه على صخرة الرفض الشعبي عندما تتجاوز مصر حالة تزييف الصورة التلفزيونية وصياغة الخرافة المؤسسة للفعل السياسي والشرعية السياسية للحكم العسكري المتدثر بلحاف الجماهير المضللة في الثلاثين من يوينو2013. ثورة الفلول من الواضح أن الثلاثيين من يونيو2013 تمت صناعته ليشكل تحولا في واقع ومستقبل المنطقة العربية بشكل عام وهو لا يستهدف إنهاء أزمة مفتعلة حول حكم الرئيس محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين فالجهات التي دبرت هذا الانقلاب ليس هدفها إزاحة حكم مرسي الذي لم يستلم أصلا المقاليد الفعلية لحكم البلاد وإنما جلس هو وفريقه في أعلى الهرم ولم يستلم بشكل مباشر خرائط التسيير الفعلية لحكم البلاد والتي تبقى أشبه بخرائط الأهرام القديمة في مصر والتي يتيه فيها السواح ويهلكون إن لم تصحبهم الفرق المتخصصة التي تعرف المداخل والمخارج وبما أن ما يعرف بــ"فلول" نظام مبارك المعبر عنهم بــ"الدولة العميقة" ظلت في سراديب تسيير الدولة وكلما حاول الرئيس مرسي أن يرسي دعائم النظام الجديد قامت الدنيا ولم تقعد بهدف تقويض حكمه وصنعت بحذاقة كبسولة "أخونة الدولة" التي شكلت فزاعة تشويه لحكم مرسي وحشدت الفلول وعبأت الرأي العام لتشتيت شعبية الإسلاميين وتفكيك تحالفاتهم التي أدت لوصولهم لهذا المقام الذي جاءوا إليه من سجونهم ومنافيهم بعد خمسة عقود من الصمود الفاعل والمستمر في الحياة العامة المصرية.

إن عودة الفلول للهيمنة انطلاقا من حشود الثلاثين من يونيو يشكل ردة عن التحول الديمقراطي الذي عرفته البلاد ونكسة خطيرة لثورة 25يناير 2011 التي اعتبرتها النخب العلمانية الليبرالية رافعة لحكم الإسلاميين لمصر. وشكل الإسلاميون المصريون الطرف الذي تعودت الأنظمة المصرية إقصاءه وتهميشه مما كرس نظرة عامة لدى الكثير من الفئات أن هؤلاء مكانهم دائما هو السجون والمعتقلات أو في أحسن الأحوال المساجد وأماكن العبادة وتغذي هذه النظرة نظرة أخرى طبقية ترى أن وصول الإسلاميين للحكم يهددها اقتصاديا خصوصا وأن نظام مبارك كان قد أمم الحياة الاقتصادية لصالح حوالي عشرين من رجال الأعمال الذين هيمنوا على الخطوط العريضة للاقتصاد في بلد ضخم كان من المفترض أن يوجد به المئات إن لم نقل الآلاف من رجال المال والأعمال المتكافئين في الفرص ... وبما أن هذه الحالة الاقتصادية ارتبطت بالحشد السياسي وصنعت لتشكل أداة تحكم فقد غدا رجال الأعمال هؤلاء أشبه بمجاميع "حزبية" لأن كل واحد يملك التأثير على قطاعات واسعة من الناس عبر المقاولات الوسيطة ولكل شعبيته وآلياته في الحشد والتعبأة ومن هنا برزت ظاهرة البلطجة التي تغذت على هذا الجو وتطورت لتشكل ظاهرة أقرب لدور المليشيا التي تتداخل فيها الأدوار الأمنية واللصوصية وهي تخدم أدوارا متنوعة ومتعددة توجهها الماركنتيلية التجارية. تحالف اقصاء ويأتي بعد الطبقة التجارية وذوي الاتجاهات الليبرالية من التجار والساسةالجيش الذي هو أكبر عدو للديمقراطية نظرا لتعوده على حماية السلطة العسكرية لامتيازاته فإن الجيش المصري يستولي على أدوار اقتصادية وصناعية ويستأثر بميزانية الصناديق السوداء وهو مهدد بالشفافية والديمقراطية التي لن تسمح له بالاستئثار الدائم بكل هذه الامتيازات هذا إضافة إلى تحكمه في صناعة جوانب من القرار السياسي والاستراتيجي بفعل حساسية مركز مصر الدولي ودورها الإقليمي والعالمي. والطرف الثالث الذي تهدده الديمقراطية هو الأجهزة الأمنية التي تعودت هي الأخرى أن تستأثر بصناعة أجزاء هامة من السياسات الداخلية وليس من صالحها تمكن الشفافية والديمقراطية في الحياة العامة لأن كثيرا من قيادات هذا الجهاز إنما تكتسب أهميتها ونفوذها من خلال تسليطها على رقاب الناس والهيمنة على الحريات الفردية والجماعية ووجود الاستنفار الأمني بشكل دائم.

واستخدمت الأطراف هذه مخاوف الأقليات الدينية وخصوصا المسيحيين الأقباط الذين انساقت نخب منهم في الدعاية السياسية الساعية لإضعاف نظام الإخوان ولكن الأقباط أيضا يكرهون الحكم العسكري لأنهم نالوا منه التهميش والكبت. وبما أن هذه الطبقاتتجارية وعسكرية وأمنية تدرك أن حكم الإسلامين يهدد جرائمها في الماضي ونفوذها المستقبلي فقد عملت على تثوير الوضع والمساهمة في التحريض على حكام مصر الجدد ولا شك أنها استثمرت ماضي علاقاتها بالرافضين اقليميا ودوليا لاستمرار هذا النظام خصوصا في الإمارات وقرن الشيطان والعلج الهجين شرقي الأردن المؤتمن على حراسة الدولة الصهيونية ومن هنا جاءت خلية (خلفان شفيق دحلان البرادعي) التي عملت خلال الأشهر الماضية على التحضير لهذا التحول الذي أعد ليشكل ردة فعل على مجمل نتائج الربيع العربي وما جاء به من روح ديمقراطي تحرري لم تعرف له المنطقة مثيلا منذ عقود.

برز مصطلح الإرهاب الأسود في بيان الناطق باسم القوات المسلحة وكان واضحا أن هذا المصطلح يستخدم هذه المرة لصناعة "فوبيا الإرهاب"من تنظيمات الإسلاميين التي تشكل الصخرة الصلبة التي تحطمت عليها أحلام الانقلابين وداعموهم من متطرفي العلمانية الذين ظنوا أنه بإمكانهم أن يصادروا رأي الأغلبية الإسلامية الحاكمة.

ومن الواضح الآن أن حجم الدم هو الذي سيحدد مسار الصراع الجاري في مصر فإذا كان بعض قادة الجيش أطاحوا بالرئيس فإنهم على ما يبدو لن يهنئوا بالحكم بعده بسهولة وبات من الأرجح أن مصر قد تندفع شيئا فشيئا نحو نموذج الصراع الدموي الذي يقوده الجيش وعندها من المؤكد أن خاتمة هذا الصراع ستكون في صالح فشل الحكم العسكري الاستبدادي الذي يسعى السيسي لإقامته مدعوما بمتطرفي اللادينية من النصارى واليهود المصريين وحثالة المنافقين. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

30. يوليو 2013 - 20:27

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا