من حق كل موريتاني أن ينزعج من الرقم ١٧٧، ومن كل الأرقام القريبة أو المشابهة له، وذلك لأن هذا الرقم قد أصبح يشكل كابوسا مفزعا لكل من يطالع التقارير والبيانات التي تنشرها المؤسسات والهيئات الدولية بشكل دوري.
وإن استمر الحال كما هو، وكل المؤشرات تقول بأن الحال لن يتغير قريبا، فإن هذا الرقم ربما يشكل في المستقبل عقدة لأهل هذا البلد الذي لا يكاد يذكر اسمه في أي تقرير دولي إلا وذكر معه الرقم ١٧٧ أو رقم قريب من هذا الرقم. حقيقة هناك أرقام و عبارات أصبحت في منتهى الإزعاج للموريتانيين، ومن هذه العبارات : احتلت موريتانيا الرتبة ١٧٧، وكانت بذلك هي الأخيرة مغاربيا، والأخيرة عربيا، ولم تأت بعدها عربيا إلا الصومال التي تعيش حربا أهلية منذ فترة. فلماذا يأتي بلدنا دائما في أسفل اللائحة؟ ولماذا يأتي دائما في المرتبة ١٧٧ عالميا، أو في مرتبة قريبة منها؟ ولماذا نصنف دائما على أننا نحن البلد الأكثر فقرا في العالم العربي؟ ولماذا نصنف دائما بأننا نحن البلد الأكثر تخلفا على المستوى العربي؟ ولماذا نحن دائما هم الأكثر فسادا في المنطقة، والأكثر أمية، والأكثر قمامة، والأكثر مرضا، والأكثر جوعا، والأكثر عطشا؟ ولماذا نحن الأعلى نسبة في البطالة مقارنة مع غيرنا من البلدان العربية؟ ألسنا نحن الأكثر ثروات طبيعية والأقل سكانا من بين كل دول المنطقة؟ ألسنا نحن الأكثر حروبا في المنطقة؟ ألم نحارب الأمية؟ ألم نحارب السمنة؟ ألم نحارب التصحر؟ ألم نحارب الفقر؟ ألم نحارب الفساد؟ ألم نحارب القمامة؟ ألم نحارب الجريمة؟ ألم نحارب المستنقعات؟ ألم نحارب أكياس لبلاستيك؟ ولماذا نحن هكذا دائما، كلما حاربنا الأمية انتشرت الأمية، وكلما حاربنا الفساد ازداد الفساد، وكلما حاربنا الجوع ازددنا جوعا، وكلما فكرنا في تصدير الكهرباء لفنا ظلام دامس؟ الغريب أننا كنا ولا زلنا نسمع دائما من أنظمتنا المتعاقبة، نظاما بعد نظام، وحكومة بعد حكومة بأننا أحسن حالا من كل الدول المجاورة. ألم تسمعوا وزير الصحة في هذا النظام، وفي الأنظمة التي سبقته يقول يوما بأننا أحسن حالا في المجال الصحي من كل الدول المجاورة؟ ألم تسمعوا وزير العدل في هذا النظام، و في الأنظمة التي سبقته يقول بأننا أحسن حالا من كل دول المنطقة؟ ألم تسمعوا وزيرة المرأة تقول بأن نساءنا أفضل حالا من كل نساء المنطقة؟ ألم تسمعوها تقول بأن أطفالنا أحسن حالا من كل أطفال المنطقة؟ ألم تسمعوها تقول بأن المعوقين لدينا أفضل حالا من معوقي الدول المجاورة؟ ألم تسمعوا وزيرة الثقافة تقول بأننا أكثر ثقافة من شعوب الدول المجاورة؟ ألم تسمعوا وزير التوجيه الإسلامي يقول بأننا أحسن إسلاما من الدول المجاورة؟ أوَ لم تسمعوا كبير وزراء التعليم يقول بأن التعليم لدينا أفضل من التعليم في الدول المجاورة، وأن الجامعات لدينا أفضل من الجامعات التونسية؟ أوَ لم تسمعوا يوما بأن الثورات في الوطن العربي انطلقت من هنا، أي من بلادنا، أو إذا شئتم من الرقم ١٧٧؟ فهل يعقل بعد كل هذا أن نظل دائما في أسفل اللائحة، خاصة في مثل هذا العهد الذي سمعنا فيه بأن جامعاتنا أفضل من الجامعات التونسية، وبأننا سنصدر أشياء كثيرة للدول المجاورة قد تبدأ بتصدير الثورات وقد لا تنتهي بتصدير الكهرباء!؟ العجيب أننا ورغم استقرارنا في أسفل اللائحة، إلا أننا نقفز في كل يوم عدة قفزات إلى أعلى، طبعا على أثير الإذاعة، وفي شاشة التلفزة، وعلى صفحات يومية "الشعب". فلا يكاد يمر يوم إلا وسمعنا فيه وزير الصحة يقول بأن بلادنا حققت في السنوات الأخيرة قفزة كبيرة في المجال الصحي، أو سمعنا وزير التعليم يقول بأننا حققنا قفزة كبيرة، أو سمعنا وزيرة المرأة تقول بأن المرأة لدينا قفزت قفزة كبيرة، أو سمعنا وزير التوجيه الإسلامي أو البيئة أو الإسكان أو الطاقة أو التكوين المهني أو غيرهم من وزراء القفز يتحدث عن قفزة لا كالقفزات حققها قطاعه في السنوات الأخيرة أو في الدقائق الأخيرة. ولكن بعد كل هذا القفز أرجو أن تسمعوا هذه : لقد قرأت اليوم وفي أكثر من موقع بأن تقرير البنك الدولي الصادر في فاتح يوليو من هذا العام قد صنف موريتانيا في الرتبة ١٧٧ من بين ١٨٦ دولة شملها التصنيف، وذلك من حيث توزيع الناتج الداخلي الخام على عدد السكان. وبذلك فتكون موريتانيا قد احتلت كعادتها المرتبة ١٧٧ والتي تجعلها هي الأخيرة مغاربيا وعربيا. حفظ الله موريتانيا..