تصويب وتعليق / الخليل ولد الطيب

altنشرت بعض الصحف اليومية الصادرة يوم الخميس 25 يوليو، خاصة جريدة "السراج" خبرا بعنوان: ناصريو موريتانيا يهاجمون الإسلام السياسي، في احتفالهم بالذكرى 61 لثورة 23 يوليو 1952..

وقد استدعى الموقف توضيحا أراه لازما رفعا للبس وخدمة للحقيقة قبل التعليق السريع على افتتاحية "السراج" في عددها 1292 .

لقد تنادى بالفعل بعض الرموز والقيادات الناصرية مساء يوم 23 يوليو في فندق الخيمة للاحتفال بالذكرى 61 لثورة 23 يوليو 1952 التي قادها الراحل جمال عبد الناصر ورفاقه من الضباط الوحدويين الأحرار، مبادرة كريمة من مجموعة من أبناء التيار الناصري رغم انتماءاتهم الحزبية المختلفة مستغلين فضاء الحرية السائد في البلد منذ 2009 الذي أنهى عهد ملاحقات ومضايقات أصحاب الرأي، وكنت من بين الذين حضروا وقائع هذا الاحتفال، الأمر الذي يسمح لي بالتأكيد على أن الإجماع والاتفاق بيننا كان محصورا في الإشادة بالثورة وبمنطلقاتها وبإنجازاتها، وبما أحدثته من واقع جديد غداة يوم 23 يوليو 1952 ، ليس في مصر وحدها، وإنما تجاوزها ليشمل المنطقة العربية والمحيط الإقليمي والدولي، حيث كان شعار المرحلة وقتها "ارفع رأسك يا أخي"، وقد تم التذكير - من خلال ورقة قدمت ـ بحجم التحولات التي أحدثتها هذه الثورة عبر عناوين ومحطات كبرى هي:

ـ تأميم قناة السويس

ـ بناء السد العالي

ـ صد العدوان الثلاثي 1956

ـ التحولات الاجتماعية التي أفضت إلى مجانية التعليم والصحة في مصر

ـ الإصلاح الزراعي ومحاربة الإقطاع

ـ تطوير الأزهر الشريف

ـ إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي

ـ مقاومة الأحلاف العسكرية

ـ إنشاء منظمة عدم الانحياز

ـ ميلاد الجمهورية العربية المتحدة

ـ احتضان حركات التحرر الإفريقي ودعم استقلال القارة الإفريقية

ـ دعم استقلال دول الخليج

ـ دعم الثورات العربية في الجزائر واليمن

ـ قيام الثورات في العراق، سوريا، ليبيا، السودان، ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية

كما تميزت تلك الحقبة المجيدة من تاريخينا العربي المعاصر بوجود قائد فذ وبطل قومي كبير هو "جمال عبد الناصر" الذي شكل مرجعية قومية للجميع، وظل ملهم الجماهير العربية إلى درجة أن الإنسان العربي العادي ما كان ليتخذ موقفا من قضية جوهرية حتى يسمع موقف جمال عبد الناصر من هذه القضية، أو يسمع صوت العرب من القاهرة.

وإلى درجة أن الدول الكبرى كانت قبل أن تتخذ قراراتها تسأل عن ردة فعل العرب وعن ردة فعل جمال عبد الناصر، مما يفسر دور عبد الناصر ومصر على المستوى العالمي.

ولعل من كتب افتتاحية "السراج" لا يختلف معي على أن هذا السؤال لم يعد مطروحا اليوم، منذ عهد السادات مرورا بعهد مبارك وصولا إلى عهد محمد مرسي.

كذلك فإن كاتب الافتتاحية لا يستطيع أن ينكر أن مسيرة الانهيار قد بدأت بعد رحيل عبد الناصر، خاصة اثر نجاح الثورة المضادة في مايو 1971 على مكتسبات وانجازات عبد الناصر التي قام بها الرئيس "المؤمن" السادات، بدعم وتوجيه من تنظيم الإخوان المسلمين في مصر وخارجها.

 وأنه إذا ما كان السادات قد أقدم على توقيع اتفاقية الخزي والعار في كامب ديفد، التي تمسك بها خلفه حسني مبارك، فإن الرئيس الإخواني محمد مرسي قد ثبتها مع الأسف عكس ما كان متوقعا، لأن جماعته السياسية ظلت تطالب نظام مبارك بفتح الحدود لتحرير فلسطين، وحين وصلت إلى السلطة بعد قيام ثورة 25 يناير المجيدة، لم تغير من الأمر شيئا، بل عملت على تقوية العلاقة مع الكيان الغاصب، ولعل الخطابات والرسائل المطمئنة المتبادلة خير شاهد، الشيء الذي عرى مواقف جماعة الإخوان في مصر، وافقدها المصداقيىة في الشارع المصرين وأوضح بما لا يدع مجالا للشك أنما كانت تردده من شعارات لا يعدو كونه دعايات ديماغوجية تتخذ من الإسلام وسيلة لدغدغة المشاعر ولإرهاب الخصوم السياسيين، ولم يكن هذا الأسلوب مقنعا لأحد لأن الجميع يعلم أن الإسلام دين الجميع ومظلة الجميع ومرجعية الكل، وهنا في موريتانيا من المعلوم أن المدرسة القومية كانت وستبقى أول مدرسة تبنت الإسلام في الحيات العامة ودعت إليه ودافعت عنه وعن مقدساته قبل وجود "تواصل"، باعتباره دينا لهذا الشعب الذي يشكل هويته الجامعة، وقد توج نضالهم المستميت بإقرار ذلك في الدستور الموريتاني.

كذلك يسجل للقوميين أنهم من تمسكوا بثنائية العروبة والإسلام، ووقفوا في وجه كل الشعوبيين بمختلف اتجاهاتهم، خاصة أولئك الذين كانوا يرون أن الدعوة إلى القومية العربية هي دعوة إلى العصبية وإلى الجاهلية أو أنها دعوة عنصرية.

إن الفرق بين القوميين وغيرهم يكمن في كون القوميين لا يتاجرون بالإسلام ولا يوظفونه للأغراض السياسية أو الانتخابية، ولا يطوعونه لخدمة أهداف ضيقة ولا يتكسبون به.

ولكنهم يمتلكون رؤية قومية إسلامية وظفوها لإقامة إطار قومي ـ إسلامي بين التيارين القومي والإسلامي، جسدها بمبادرة منهم في عقد المؤتمر القومي ـ الإسلامي سنة 1994، وقد أكد قادة التيارين على هذه الرؤية خلال الدورة السادسة لهذا المؤتمر في الدوحة دجمبر 2006 وكان لي شرف المشاركة فيه بحكم عضويتي في هذا المؤتمر، وقد صدر عن هذا المؤتمر بيان هام تقول إحدى فقراته: "انطلاقا من وعي المؤتمر بأهمية وتعزيز العلاقة بين التيارين القومي والإسلامي لتشكيل القوة الفاعلة لتأسيس المشروع النهضوي، ولمواجهة المشروع الامبريالي الاستعماري الذي يرمي إلى إعادة رسم الخرائط التي تؤدي إلى تقسيم وتفتيت البلدان العربية والإسلامية على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، يعلن المؤتمر ما يلي:

1 ـ أن يكون كل من التيارين على يقين بأن التيار الآخر ليس فقط حليفا له فحسب وإنما أيضا داعما ومكملا له، وأن أي خطوة نضالية تدعم مسار أحدهما، هي دعم للمسار الآخر لأنهما على مسار واحد وفي مقطورة واحدة.

2 ـ تفعيل الأنشطة والمبادرات المشتركة داخل كل الأقطار العربية بين التيارين لتعزيز العلاقة بينهما".

هذه هي رؤية القوميين بشكل عام على امتداد الساحة العربية التي عبروا عنها من خلال القومي العربي، وهذا هو موقفنا نحن الناصريين من الإسلام السياسي ومن دعاته الصادقين، والذي جسدناه في ممارساتنا منذ تسعينات القرن الماضي، حين أقمنا قنوات اتصال وتنسيق مع قادة واعين من التيار الإسلامي بهدف تقوية المشترك بيننا وهو كثير مثل: أبوبكر ولد أحمد، إسلم ولد سيدي المصطف، بوميه ولد أبياه، وواصلناه نحن مجموعة الأطر المنسحبين من الحزب الجمهوري سنة 1997 مع المجموعة التي وجدناها أمامنا في حزب اتحاد القوى الديمقراطية عهد جديد، جميل ولد منصور، الحسن ولد مولاي اعل، السالك ولد سيدي محمود، الخليل ولد مولود، ويشهدون أننا كنا صادقين معهم ومع غيرهم كعادتنا.

أما ما ذهب إليه البعض مؤخرا من قيادات في تواصل، من حملة تشويه وتلفيق ضد القوميين فهو نشاز وعار من الصحة ويفتقد المصداقية ويدخل في إطار التحريض على الفتنة من خلال إذكاء النعرات العرقية، فاتهام القوميين من جديد بقتل الزنوج من طرف الأخ أحمد ولد وديعة، هو دعوة إلى الفتنة، والفتنة نائمة... وقد فات عليه أن هذا الاتهام الكاذب سبقه إليه محمد ولد مولود، وبا بكر موسى، وغيرهم وندموا عليه.

وفي ختام هذا التعليق، أؤكد أنني أرفض الانقلاب على الشرعية مهما كانت المبررات، وقد عبرت عن هذا الموقف في مقابلة مع قناة الساحل يوم فاتح يوليو، ومن على منبر الجمعية الوطنية رغم وجود إخوتي الناصريين في الفسطاط الآخر الذي ليس فسطاط باطل كما يدعي البعض، غير أنني أدين ازدواجية المعايير عند حزب تواصل الذي يثور هنا ضد الشرعية، ويطالب برحيل نظام شرعي، ويعترض بل يجرم القوى المصرية التي أيدت رحيل مرسي وجماعته.

28. يوليو 2013 - 19:39

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا