الانتخابات الأحادية...حشف وسوء كيلة / عبد الرحمن بن محمد محمود الرباني

عبد الرحمن بن محمد محمود الربانييعتقد النظام القائم في بلادنا أنه حشر المعارضة بشقيها المشاكس والمحاور في زاوية حادة وضيقة  ووضعها أمام أمر واقع سيقودها لا محالة إلى إحدى طرق ثلاث  أحلاها مر علقم :

مشاركتها مجتمعة في مساره الانتخابي الذي صنعه منفردا وفصله ورتبه على مقاسه ووفق آليات تخدمه وحده ولا تترك لمناوئيه فرصة لتنافس متكافئ ، هذا فضلا عن كونها اعتراف صريح بفشل كل الطرق التي لا تتخذ من صناديق الاقتراع سبيلا وحيدا لتغيير النظام وللتداول على السلطة .

الإجماع على مقاطعة هذا الاستحقاق الانتخابي مع ما يعنيه ذلك من حرمان الأحزاب المقاطعة من التمثيل النيابي تحت قبة البرلمان ومن تسيير المجالس المحلية، وانكفاء هذه الأحزاب على مقراتها وقصرها فيها بعيدا عن التفاعل والتعاطي مع الشأن الوطني ومع هموم وانشغلات المواطنين وهو ما قد يؤدي بها إلى فقدان السند الشعبي والدعم المالي الرسمي وإضعافها بل ربما أدى إلى تلاشي بعضها . انفراط عقد هذه الكتل السياسية وفرار كل حزب من أخيه ومن فصيلته التي تؤويه  بحثا عما يعتقد أنه مصلحة حزبية أو مصلحة وطنية ومنح النظام هدية لا يستحقها ولكنه يحتاجها للإمعان في نهجه الانفرادي وحكمه التسلطي دون خشية من عذل رقيب و لا اعتبار لتربص منافس .

لا أعتقد أن هناك بين أروقة مقرات المعارضة بكل تفاصيلها ولا وراء أبواب قادتها وهيئاتها المختلفة ولا في شارعها العريض من يتمنى لها السير في ذلك الطريق الثالث لأنه ببساطة يعني غياب أي بعد استراتيجي لدى هذه التشكيلات السياسية مجتمعة ومنفردة ويؤكد ما تُنعت به من طرف النظام من قصر في النظر وضعف في الاستشراف وافتقار للبعد الأخلاقي وترهل في المبادئ وانتهازية... وحتى إن أجمعت أحزاب المنسقية ومن قبلها أحزاب المعاهدة على المشاركة غير المشروطة فإن ذلك لا محالة يبعث  برسالة مضمونة بالبريد السريع إلى قيادة النظام وإلى كافة أركانه بمنحه شيكا على بياض بالتصرف في البلاد والعباد وفي الموارد والمصادر وفي علاقات الداخل والخارج وفق ما يحلو له وكيفما يشاء ويرسخ قناعة كانت راسخة لديه مقتضاها أن الرعية رعاع وأن الخوف خير من الود وأن العصا أجدى من الجزرة ... قد يقول قائلُ أحزاب المعارضة :

لقد جربنا سلاح المقاطعة واكتوينا بناره ولم نجن من سياسة المقعد الشاغر غير المزيد من الوهن المؤسسي والهوان على الناس والتجاهل من طرف الحاكم ، وعلى الرغم من وجاهة هذه المخاوف في وقتها ، لكن إسقاطها على واقع مختلف وظرف مغاير يجعل الإسقاط والمقارنة في غير محلهما ، فلا عام 2013 مثل عام 1992 ، فالعالم تغير ونحن تغيرنا ، ولن يعترف أحد لا في الداخل ولا في الخارج  بانتخابات لا يشارك فيها الجميع ويرضى عن مناخها وآلياتها الجميع ، لن ينظر الناس إلى برلمان بلون واحد باعتباره ممثلا جادا ومعبرا عنهم ، لقد تعود الناس على أن يستمعوا لصرخاتهم وأناتهم من داخل قبة البرلمان ولن يرضوا بأقل من ذلك .

لا داعي إذن يا أحزاب المعارضة للهرولة إلى المشاركة في انتخابات لا تتوفر فيها الشروط الدنيا لتكافئ الفرص ولمعايير الشفافية والنزاهة ولن يقدم النظام على انتخابات لا تشاركه فيها المعارضة أو بعض فصائلها حتى وإن أبدى المضي قدما إليها دون أن يلقي بالا لشركائه في الوطن فليس ذلك -على الأرجح - إلا مناورة منه أما إذا كان جادا في ذلك وأصر على العزف منفردا فإنه يمنح المعارضة المشاكسة هدية لم تكن تحلم بها و يؤكد لمن كان يساوره شك من وجهة نظر الداعين إلى الرحيل أنه نظام الاستبداد والافساد والاستعلاء الذي لا يحترم مبادئ وآليات العمل الديمقراطي السليم ولا يمكن أن يرحل وفق تلك المبادئ وتلك الآليات.

لا يكفي أن تحافظ أحزاب المنسقية على وحدة صفها في مقاطعة انتخابات مسرحية بهذا المستوى من الإخراج العبثي وإنما لابد أن تتحمل مسئولية تعزيز صفها ورصه بأحزاب المعاهدة التي تتحمل هي الأخرى نفس المسئولية التاريخية من أجل عدم السماح بتمرير مهزلة غير مسلية من هذا القبيل مهما تكن الأسباب و التعلات حتى يستجيب النظام – ولا مناص له في النهاية من ذلك - لتنظيم انتخابات جادة حرة توافقية وذات مصداقية تلبي طموحات الجميع بعد طول انتظار وبعد عسر مخاض ، وإلا فإنه الإفطار على جرادة انتخابات هزيلة بعد صيام سنتين متتابعتين ...

 

[email protected]  

7. أغسطس 2013 - 18:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا