التلفزة الوطنية في شهر رمضان: منبر للرجال فقط ....؟؟!! / تربة بنت عمار

في الربع الأخير من القرن الماضي استنطقت الشاعرة الكويتية الموقف الرسمي للمجتمعات العربية من مساهمة المرأة عندهم في التعبير فقالت :

يقولون إن الكلام امتياز الرجال ...

فلا تنطقي ...!!!

وإن التغزل فن الرجال ..

فلا تعشقي ...!!!

وإن الكتابة بحر عميق المياه ..

فلا تغرقي ..!!!

هكذا حذرتنا مجتمعاتنا الذكورية من المشاركة في مجال الفكر والكلام ، وحتى فنون العشق ، لأنها امتياز خص الله به الرجال ، سواء كان ذلك امتيازا أو فنا من فنون الغرام والمشاعر ، كلها أشياء جعلها التراث المكتوب والشفهي حكرا على الرجل فقط .

لكن هذا المنطق كان له ما يبرره نظرا لخلو تلك المنابر من النساء لأنهن قابعات في ظل الحريم ، وشقاء الطبخ وتربية الصغار، للسادة الرجال الذين يتعاطوا فنون العشق وينتجون امتيازات الكلام ...!!!.

أما وقد أصبحنا ننافس الرجال ونقتحم عليهم أوكارهم ونتفوق عليهم أحيانا ، فلماذا – والحال هذه - تظل تلفزتنا الوطنية خلال ظرف ديني خاص بالنسبة للمسلمين كشهر رمضان المبارك ، وفية لمنطق ذكوري تجاوزه العصر، واقتضت ضرورة الواقع تغييره ..؟؟.

لقد تابعت طيلة شهر رمضان المنصرم برامج التلفزة الوطنية وذلك بسبب ولعي بكل ما هو وطني ، خاصة منها التي تتناول أشياء ذات طابع فقهي أوتحليلي ، أوبعض القضايا التي يتخيل للمشاهد غير المختص أنها فكرية ، حيث كان غياب تام للعنصر النسائي هو أكبر ما يميزها ، وأجل برهانا على أننا مجتمع ذكوري على رغم أنف نزعتنا الصنهاجية الأمومية ...!! ، حيث يظن المشاهد أننا في فترة ما قبل القرنيين من الآن ، عندما كانت المرأة في حوزة ملك اليمين ....!!.

فالضيوف الذين أجلهم وأقدر لهم دورهم العلمي في نشر الثقافة الإسلامية والسلوك التعبدي كان بعضهم قد تناول القضايا المطروحة على المائدة الرمضانية بمنهج جد سطحي ومكرر، حيث تعودنا عليه منذ نشأة الدولة الوطنية وإعلامها الرسمي ، وكأننا في كهفنا لم نبصر نور العصر أبدا ..!!!.

بعض الضيوف كانت مستوياتهم متردية لكن جنسيتهم الذكورية هي وحدها التي بوأتهم الجلوس على منبر التلفزة الوطنية الأكثر مشاهدة من طرف كافة المواطنين وبختلف المستويات ...!!!.

لم تستضف تلفزتنا الوطنية الموقرة طيلة شهر رمضان أي امرأة اللهم إلا في نموذج طبي واحد ، أو ما كان من برنامج " ممنوع الغضب" ذو الطابع الكميدي الترفيهي ، الذي يثير حفيظة الضيف أو الضيفة ويظهر مكامن ضعفه للمشاهد ، الذي هو بحاجة أكثر لمنهج يغير عقليته ويسدد خطاه وينير طريقه نحو مستقبل شبه مجهول، من هو لمشهد مضحك أو فرجة مسلية ...!!!.

أما "الخيمة الرمضانية" و"الروضة" و"الفتاوي" و"في رحاب القرآن" و"فقه العصر" ...وغيرهم كثير كانت كلها من امتياز الرجال ...!!!.

يرجع تاريخ إبعاد النساء من المنابر الدينية إلى فترة مبكرة من تاريخنا الإسلامي حينما أجتهد الخليفة الثاني للمسلمين (عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه أن المدينة بدأت تستقطب أفواجا من الصعاليك وقطاع الطرق بوصفها عاصمة الدولة الإسلامية ، وبالتالي أصبح ذهاب النساء للمساجد يعرضهن لخطر التعرض للتحرش وحتى احتمال الأقتصاب ، الشيء الذي بموجبه منع النساء من الذهاب للمسجد خوفا عليهن من أجلاف الأعراب ، في ظل غياب إنارة الشوارع ووحشتها .

ورغم غياب السبب الذي اقتضاء منعهن من المسجد بسبب الأمن والإنارة في بعض البلدان الإسلامية ، مثله مثل تعطيل حد قطع اليد عام الرمادة من طرف عمر أيضا بسبب الجوع والقحط ، لكن الحد استأنف أما النساء فكان جلوسهن أبدي وسرمدي فكيف الفقهاء في محاولة للي أعناق نصوص الدين ليقنن جلوس النساء في البيوت ، ذلك الجلوس الذي سيحولهن إلى غياب تام عن المشاركة في هم الأمة باسم الدين ، الدين نفسه الذي أمرها بالحضور والصلاة بحشمة وخشوع داخل المساجد ، أمرها بخطاب قرآني واضح لا لبس فيه ولا غموض حشا لله.

الدين نفسه الذي كلفها بحمل الأمانة ، لكن مرحلة التدوين أسست الإقصاء المرأة ولم يكن ذلك انطلاقا من القرآن ولكن من التأثر بديانات محرفة ، وهذا ما لاحظه المستشرق الفرنسي

مارسيل بوازارالذي يقول : " ...ولا يذكر التنزيل أن المرأة دفعت الرجل إلى ارتكاب الخطيئة الأصلية ,كما يقول سفر التكوين . وهكذا فان العقيدة الإسلامية لم تستخدم ألفاظا للتقليل من احترامها , كما فعل آباء الكنيسة الذين طالما اعتبروها (عميلة الشيطان) . بل إن القرآن يضفي آيات الكمال على امرأتين :امرأة فرعون ومر يم ابنة عمران أم المسيح ]عليه السلام ".

ففي محاولة تحررية قام بها ابن حزم (384هـ/994م/456هـ/1064م) حينما أعتبر أن المرأة لم يرد نص يمنعها من القضاء ولا من تولى المناصب الكبرى ، لكنه لم يكن جادا في طرحه المستنير هذا ، فهو نفسه الذي اهتز غضبا عندما ولى الخليفة العباسي المقتدر بالله العباسي(ت282هـ) جارية ذكية تدعى ثومال لمنصب وزارة العدل ، فعندما تعرض لهذه التجربة وصفها بأنها من شؤم الزمن وضياعه عندما تتولى النساء مناصب دينية بهذا المستوى ...!!!.

ذلك هو ابن حزم الظاهري يستجيب لضغط المنهج الذكوري على الرغم من تمسكه بظاهر النص، وهذه هي التلفزة الوطنية التي لم يصل عمرها بعد لنصف قرن من الزمن ، تحتكر منبرها للسادة الرجال في ظرف ديني هام استجابة لتراكم تعود جذوره لما يقارب ألف وخمس مائة سنة ....!!!!!.

وفي توديع تلفزتنا الموقرة لشهر رمضان المبارك استدعت جمعا كبيرا من ضيوفها الكرام وهم رجال خلص ، وكان المشهد احتفالي بإشراف رجالي أيضا لتقيم العمل ،وكأننا في دولة لا نساء لها ، مما ذكرني برواية للكاتب الموريتاني الكبير : موسى ولد أبن "الحب المستحيل " الذي يفصل فيها بين الرجال والنساء لأنه يبحث عن عالم أحادي الجنس .

أو كأن نسائنا في عالم منقطع عن الثقافة والخطابة ، ومن الغريب أنني أعلم علم اليقين وبمعرفة مباشرة عشرات الدكتورات والأستاذات الجامعيات في مختلف التخصصات ولهن قدرة كبيرة على العطاء والمشاركة ، خاصة في مجال الدراسات الإسلامية ، ولاشك أنهن أكثر تميزا من بعض الضيوف الذين كان حظهم الوحيد أنهم رجال فقط ...!!!.

 

11. أغسطس 2013 - 15:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا