في مقال موجه لرئيس الجمهورية خلال زيارته لولاية الحوض الشرقي من قبل الأخ الأستاذ المهدي أحمد طالب قام خلاله بتقديم رؤية و تقييم معينين نقرؤهما بين سطور النص و هو ما قررنا نقاشه بطريقة هادئة تسلط الضوء على واقع و وقائع يتم من خلالها تفنيد استنتاجات المقال و سنكتفي من المقال بما جاء من صكوك غفران كانت مدخله لمخاطبة المعني بالأمر حين يقول أستاذنا ما نصه
((في كل سنة تُعد رئاسة الجمهورية لقاء شعبيا بُغية الكلام عن قرب مع المواطنين البسطاء من أجل تحقيق حاجياتهم ومتطلباتهم التي يرغبون في تحقيقها وهذا ـ إن تحقق ـ يسفر عن حسن نية تجاه الوطن والأمة الموريتانية . )) فمبدئيا من خلال ما تقدم يبدو جليا أن الرئاسة تلجأ لهذه الخطوة الشكلية فقط لتنفيس ضغط داخلي أو لممارسة (تدخال الصوك) السياسي كما هو حال لقاء النعمة حاليا الخزان الإنتخابي المعروف بكثافة الناخبين هذا عدا عن نوعية المواطنين الذين يشملهم ذلك اللقاء حيث باتت مسرحا تنافسيا بين الموالين من كوادر النظام ليبرز كل منه ما له من قدرة على الحشد داخل منطقته على أمل أن يتم التعامل معه مستقبلا انطلاقا من ذلك الجمع و يستبعد من الحديث كل من تشم فيه رائحة الحياد أو أمانة القول لو قدر له أن يقول فالمطلوب هو القسم للرئيس بأعظم الأيمان أن موريتانيا بعد قدومه صارت جنانا و بات مواطنوها ينامون ملأ جفونهم دون أن تزعجهم كوابيس لقمة العيش يوما آخر و ما أكثر ما قدم المواطنون قوائم بمطالب ملحة و غير مكلفة لكن لا يرى الحاكمون ضرورة لتلبيتها و إن قرروا إعطاء وعد بتلبيتها منوا به عقودا على العباد و في النهاية كان عرقوب أكثر وفاءا من الحاكمين و كلهم يتبجحون بما ختمت به هذه المقدمة (حسن النية )لكن الواقع يكذبهم فجميعهم ناهبون تخرجوا من صروح للنهب عريقة و لا يتناسب واقعهم و تصرفاتهم مع أدني مفهوم لحسن النية إلى إن قصدنا حسن النية الضيق تجاه حاشيته و مقربيه و هو ما لا ينبغي أن يمن به علينا و الأمثلة عليه صارخة و الكذب فيها تشهد به طريق مونكل كيهيدي و أخواتها دون الحاجة للإطالة في تعدادها . أما قول أستاذنا المهدي :
فخامة الرئيس في الأيام التصحيحية التي أطلقتموها أيام إطاحتكم بنظام الرئيس ـ السابق ـ سيد ولد الشيخ عبد الله كان مقصدكم طيلة تلك الفترة وحتى انتخابكم هو الانحياز للفقراء ومتوسطي الدخل ومحاربة الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وقد حققتم شيئا من هذا بردّ الاعتبار لفقراء انواكشوط الذين كانت تعج بهم الأزقة والشوارع في مساكن شعبية غير صالحة للاستعمال البشري .
فهو مدعاة للتوقف قليلا أمام ذلك التبرير من كاتب كبير و واعي و مطلع للانقلابات العسكرية و القول بأنها حركة تصحيحية و كأن سابقاتها قد خلون من تلك المبررات التي لا تعدو أن تكون استغفالا لهذا الشعب المسكين و ليس الأمر مقتصرا على ذلك الانقلاب و الذي أرى أن تبريره من كاتب بوزن كاتبنا الكبير يعد أشد شناعة من الإنقلاب نفسه الذي قد لا يكون تصرفا من مثقف أو ممن يعي ما نظن بكاتبنا وعيه من مخاطر محتملة لأي انقلاب هذا مع أن دعوى التصحيح لم يكتب لها طول عمر خصوص في ظل التأزم السياسي الذي اتخذ مبررا آنذاك و ما يزال مستمرا إلى اليوم فهل هذا يعني أن واجبنا الدعوة لانقلاب نسميه حركة تصحيحية للانسداد السياسي الواضح ؟
أما عن رد الاعتبار لفقراء انواكشوط فلا علم لي به إلا إن قصد به ما حصل مع ساكنة أحياء الصقيع من ترحيل و هو ما أرفض اعتباره رد اعتبار لأنهم في الغالب يتم نقلهم لمناطق نائية تكاد تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة البسيطة من تعليم و علاج و نقل و أسواق للحاجيات اليومية هذا بالإضافة لانعدام الأمن لينضاف لذلك أن الكثير منهم تم سحقه برجال أعمال أو مقربين جيث تنهب قطعهم التي عاشوا عليها عقودا و يستولي عليها صاحب مادة أو جاه أو سلطة في غياب تام للدولة و الأمثلة كثيرة لم تجد أي رد أعتبار يذكر و لا علم لنا بتحسن في ظروفهم المعيشية بل زادت أسعار المحروقات التي تتخذ مبرر لرفع كل شيئ حتى إنشادا لبيت من الوافر أحرى ما دون ذلك و تفشي صنوف الجريمة و ارتفاع معدل القتل اليومي و لن ننسى كم كانت حجة محاربة الفساد بشتى صنوفه واهية لأبعد الحدود فرموز الفساد و أباطرته هم أذرع هذا النظام ممن لم يختلف إثنان يوما في فساده منهم المستشارون و السفراء و رؤساء المصالح في ظل الصفقات المشبوهة التي تطالعنا بين الفينة و الأخرى من مثيلات صفقة الصيد مع جمهورية الصين و أخواتها و من أقرت الحكومة أنهم نهبوا و استثمروا لحساباتهم الشخصية من خطة الأمل لا يزالون يمرحون بما استحوذوا عليه منها و غيرهم كثير و سأتجاوز للفقرة الموالية حيث يقول أستاذنا : فخامة الرئيس فقراء انواكشوط بالنسبة للاجئي الداخل الموريتاني أغنياء وأكثر رحمة ذلك أن فقراء انواكشوط بحكم قربهم من المستشفيات العامة والمدارس والثانويات ـ العامة والخاصة ـ وقربهم كذلك من حملات السياسيين الاقتصادية سأتوقف هنا قليلا لأستغرب أن يكون من يرأسنا بحاجة لمن يذكره بحال فقراء الداخل و هو الذي نحسبه قد كفته تجاربه في مجال عمله السابق و جعلته يطلع على الكثير من حقائق شعبه دون الحاجة للتذكير بحالهم كمن يعيش بالمريخ و لن يفوتني هنا التذكير بنعيم فقراء انواكشوط المتمثل في قربهم من المستشفيات العامة و المدارس و قربهم من الساسة و كأن تلك المستشفيات ستعالج مرضاهم أو تهتم بمن لا يحمل فائضا ماليا يوزعه ابتداء من الباب الخارجي للمستشفى وصولا للدكتور نفسه و العلاج غالبا أدوية لا يهم صلاحيتها للإستعمال البشري و قتل البشر في تلك المستشفيات من اطفال و شيوخ و نساء أو تسرق اعضاؤهم هي من السمات المتواترة بمستشفياتنا أما المدارس فهي رحلة فشل تنتهي في بعض الأحيان بعيادة الأمراض النفسية (جاه)و حملات الساسة باتت منافعهم مقصورة على يايبوي الذي لا يرى إلا متلازما مع تظاهرات المعارضة التي ملت التظاهر أساسا ليمل معها اليايبوي هو الآخر و ينتهي النفع هناك.
و نختم بالقول أن ظروف المواطن لم تعرف تحسنا و لا لاح في الأفق و كل ما هنالك هي وعود يجترها الحاكمون في كل مناسبة ليخفت ذكرها قبل انقشاع غبار مراكبهم و لا يفوتني هنا أن أشيد بمدرسة باتت تعتلي بمستواها كل مؤسساتنا التعليمية و هي الوحيدة التي تضمن لخريجيها التوظيف فور التخرج مع دخل معتبر و نفوذ لا يشترط منصبا معينا إنها مدرسة التطبيل و التصفيق التي تشرف عليها أنظمتنا السارقة الناهبة