"والفقراء دول مالهم غير ربنا؟!" من كلمات الزعيم الخالد جمال عبد الناصر
من الجدير بنا أن نعترف بما تحقق على يد فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني وجهازه الحكومي من إنجازات كبيرة في المجالات المختلفة التي من شأنها أن تخدم هذه الفئات الواسعة التي هي في الواقع تشكل نسبة معتبرة من شعبنا الغالي الذي يستحق كل رفاهية وسعادة...
إن من نسميهم "الفئات الهشة" موجودون بكثرة في مختلف شرائحنا الاجتماعية الموقرة، وقد ظلموا وهمشوا ومورس ضدهم الاقضاء والتغييب الممنهج طيلة الأحكام التي عرفتها البلاد من قبل، ولم يتسن لأي جهة سياسية أن تتحمل هموم هذه الفئات المحترمة إلا على وجه التوظيف السياسي في المواسم الانتخابية، وقد تحمل فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني القيام بأعباء خدمة هذه الشرائح العريضة من مجتمعنا؛ بما هو رئيس للبلاد فقطع – جزاه الله خيرا – أشواطا مهمة في هذا المنحى وحقق إنجازات لا يمكن جحودها ولا إنكارها؛ نذكر مثالا لا حصرا الكهربة وتوفير المياه وشق الطرق هنا وهناك، وتوزيع المبالغ المالية على الأسر، وتمويل المشاريع الصغيرة وتدشينها، والاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية الموجهة خصيصا إلى هذه الفئات...
إن التمييز الإيجابي على جميع الصعد في حق هؤلاء ضروري؛ بل هو خادم لا يستغنى عنه لمن يريد أن يحقق شيئا في التنمية البشرية؛ إذ كيف يمكن لمجتمع أن ينهض ونسبة مئوية كبيرة منه تعاني من الثلاثي المدمر: الجهل والفقر والمرض؟
إن التمييز الإيجابي الذي يساهم في التنمية البشرية للمجتمعات ليس في توزيع المبالغ المالية وما شابهه من الخدمات التي لا ننكر لها فائدة... إن التمييز الإيجابي الذي نتحدث عنه هنا هو في الخدمات الصحية والتعليمية التي يستفيد منها الإنسان صغيرا وكبيرا... هو في التشغيل والتكوين على إدارة المشاريع المدرة للدخل... هو في الاكتتاب للوظائف.. هو في التعيين.. هو في المشاركة في الشأن العام... إلخ إن تمييزا إيجابيا من هذا القبيل كفيل بضخ دماء جديدة في مجتمعنا تجعله قادرا على تطوير ذاته وبناء الدولة العصرية ذات الجذور الراسخة في القيم والثوابت التي نحلم بها جميعا، والتي يتقاسم الجميع مغانمها ومغارمها
وإذا كان هناك مثل شعبي آسيوي يقول: "علمني كيف أصطاد السمكة ولا تعلمني كيف آكلها" فهذا يعني أن الفئات الهشة لا تنفعهم الهبات بقدر ما ينفعهم التأهيل والتدريب على الإنتاج، وقد يلعب التعليم الفني دورا مهما في هذا المجال، إلا أن تمويل المشاريع الذي يرافقه التكوين المثمر على إدارة هذه المشاريع بشكل ناجح مؤد إلى الإنتاج على النحو المرضي له أهميته الكبيرة؛ إذ يستفيد منه قطاع عريض من هذه الفئات التي نتحدث عنها هنا
ومن الجلي أن تغول الرأسمالية لا يخدم هذه الفئات؛ ذلك لأن الرأسمالية صممت لصالح الأغنياء فهي تتيح لهم فرصا كبيرة ومتنوعة على حساب الفقراء الذين يزدادون في ظلها فقرا وانعداما لوسائل العيش الكريم؛ فالسوق الحرة المفتوحة في الرأسمالية لا مجال فيها إلا للشركات وأصحاب المال والثراء الفاحش الذين لا هم لهم إلا التربح وكسب المال، وقد أصبحت معايير الجودة والأسعار التي في المتناول غائبة عن دائرة اهتمام هؤلاء في بلادنا؛ مما يعني أن تدخل الدولة في السوق ضروري؛ بما هو حام للجودة وانخفاض الأسعار
وبما أن من القلة بمكان وجود نظام اقتصادي أو سياسي محض، وأن الذي يوجد – غالبا – عبارة عن أنظمة هجينة من رؤى وأفكار مختلفة؛ فإن محاربة الرأسمالية أو تقليم أظافرها – في نظري – لا يعني المساس بالملكية الشخصية، وإنما يعني تطبيق مسحة من الاشتراكية تتعايش مع مبادئ السوق الحرة من شأنها أن تضمن نوعا من العدالة الاجتماعية القائمة على المساواة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات
ومما أقترحه – في هذا الصدد – أن تتولى الدولة توريد المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية، وتفتح على نطاق واسع دكاكين لبيعها بأسعار رخيصة أو رمزية، ولعل تجارب من هذا القبيل قد سبق أن رأت النور مثل: دكاكين أمل وسونمكس، ولكن هذه التجارب ظلت قاصرة، وبعضها تلاشى مع الزمن كما هو الحال في سونمكس، ومثل المواد الاستهلاكية المحروقات؛ فيجب على الدولة أن لا تتخلى عنها، وأن تعود لدعمها
ولا ينبغي – فيما أعتقد – أن يترك الحبل على الغارب لنظام الخصخصة؛ فهناك مجالات تمس حياة المواطن البسيط يجب أن تكون الدولة فيها حاضرة بقوة، ويجب أن تقلص فيها دور القطاع الخصوصي مثل الصحة والتعليم؛ فهذان المجالان – مثالا لا حصرا – لهما أهمية بالغة؛ ولذلك ينبغي للدولة أن توليهما عناية كبيرة كما تفعل، ولكن يجب تلافي بعض النواقص حتى يمكن لهذين القطاعين العموميين أن يستوعبا من يرد إليهما من المواطنين، وأن تكون خدماتهما في المستوى المطلوب
وبما أنني أنتمي لقطاع التهذيب، وعلى ذكر التعليم في الفقرة أعلاه يحسن بي أن ألاحظ – في آخر هذه السطور – أن الوزارة الحالية تلعب دورا مشهودا في سبيل النهوض بالتعليم؛ ولعلها تفلح في إصلاح كثير مما أفسده الدهر في هذه المنظومة المحورية التي لا يصلح شيء بدونها