وجوه كالحة وعابسة مرهقة من أثر التعب والسفر الطويل من أجل استقبال الجنرال محمد ولد عبد العزيز في النعمة، وجوه تظهر على تقاسيمها أمارات الفساد والمحسوبية والزبونية، وجوه بمجرد النظر إليها يتراءى لك وجه موريتانيا القاتم،
سنين من الفساد طوال، تلك هي مافيا الحكم الطائعي البائد، حضرت للقاء الكذب في النعمة لتكون شاهدة على المشهد الرابع من مسرحية "خذلان الشعب" أو "لقاء الكذب" كما يحلوا للبعض، ذلك هو نصيب موريتانيا المكلومة من تحالف المنافقين المهرولين خلف كل من هب ودب ، كل من استطاع بقوة السلاح السيطرة على الحكم .
في أحد الأيام وقفت مجموعة مطبلين من متملقين مدعين للسياسة ورؤساء أحزاب سياسية واصفين العملية الإنقلابية التي نفذت فجر 6 أغسطس بالعملية التصحيحية وكم بذلوا من جهد جهيد من أجل ذلك ، من أجل إضفاء الشرعية على ما لا يمكن شرعنته، لتتفاجأ تلك الوجوه الحاضرة الغائبة بقائد الإنقلاب يقول وبصريح العبارة أن ما حدث كان عملية انقلابية، ياله من خزي حلّ بهم، أي وجه سيظهرون به غدا ؟ ، لكن دعوني أستبق الأحداث وأجيب على هذا الإستفهام، فالمثل يقول إن من شبّ على شيء شاب عليه وهكذا هو ديدنهم، كل مرة مبررات جديدة وحجج يرونها دامغة وفي النهاية فضيحة كالتي وضعهم فيها الجنرال في لقاء الكذب الأخير.
الكذبة الكبيرة التي اتضح زيفها بما لا يترك مجالا للشك هي "مكافحة الفساد والمفسدين"، وكم من مرة قلنا إن المفسد نفسه لا يمكن أن يكون مصلحا ، في اللقاء الأخير ثبت ذلك ، هل رأيتم أشباه الرجال أولائك الذين تسابقوا من أجل الظهور أمام الجنرال لعله يظفر بلفتة من زعيمه وربما تلميذه يوما ما في الفترة الطائعية البغيضة، فسبحان مغير الأحوال !
حين يقف الجنرال ويقول إنه جاء من أجل مكافحة الفساد ويعفي عن مرتكبي فساد سرقوا المليارات من أموال الشعب الموريتاني فتأكد أن ذلك تعميق الفساد، حينما يتم التدخل في القضاء والتصرف فيه فذلك أيضا من الفساد، لن تنطلي على أحد إقالة الوزيرة السابقة بنت بيده لأن ذلك كان أخف الضررين ، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ ، اللقاء تطرق للحديث عن بطاقات التعريف والأموال التي تصرف للحصول عليها حيث قال إن المواطنين مستعدين للإنفاق على بطاقات التزويد وغير مستعدين لدفع نفس المبلغ للحصول على بطاقاتهم، أنا من حيث المبدأ قد أكون مستعدا لدفع المبلغ للحصول على هذه البطاقة ، لكن أين تذهب هذه الأموال هذا هو السؤال الأهم، ألا يدرك الجنرال أن هذه الأموال من عرق الفقراء الذين يقول إنه رئيسهم، أليس من حقهم أن يعرفوا أين تذهب ؟، هل يحصلون مثلا على إيصال لدفع الأموال للخزينة العامة حتى يتأكدوا أين تذهب ، أم أن الحانوت الكبير المسمى موريتانيا حلالا له يتصرف فيه كما يشاء ، يعني بضاعته الخاصة!
حضر بعض أهل النعمة بالإضافة إلى الحشود التي جلبت جلبا من نواكشوط والتي جاءت طمعا عبر الجسر الجوي الذي لم يتوفر أصلا للساكنة هناك، بل إن هناك مجموعة من الشباب الذين تظاهروا من أجل التعبير عن مشاكلهم بل مشاكل مدينتهم المنسية فمالذي حدث؟، حتى المشاكل اليومية التي يعانونها لم تجد طريقها الى الخطاب الطويل العريض ، فقط كلمات عامة مبهمة لا تسمن ولا تغني من جوع.
الحرس القديم الذين أقلقهم كلام الجنرال أول ما انقلب على سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله تنفسوا الصعداء اليوم وصاروا هم الآمر الناهي، فهم المستشارين والوزراء والولاة والحكام ومدراء وأمناء عامون وأغلبهم سبق أن تلطخت سيرته الذاتية بجرم أكل الأموال العمومية فهل بهذا يكافح الفساد؟ لا تتعبوا أنفسكم ، بل بهذا يرسخ الفساد في ظل حكم الاستبداد والإنقلاب.