ألا لعنة الله على الاستبداد / محمد المهدي ولد محمد البشير

يخطئ من يظن أن شجرة الاستبداد الخبيثة التي تمتد جذورها ضاربة في تاريخنا السياسي، وفي فقهنا السلطاني، وفي مخيالنا الاجتماعي يمكن أن تستأصل في يوم أو شهر أو سنة أو عشر سنوات، إنها شجرة لعينة زرعها الطغاة في فكرنا وثقافتنا قبل

 أن تتحول إلى واقع ماثل على الأرض، وقد جند الطغاة لترسيخ الاستبداد في فكرنا وثقافتنا وعلى أرضنا كتائب من المثقفين السفلة، والإعلاميين الفسقة، والفقهاء الخونة، والجنود المرتزقة، مما أدى إلى قبول المجتمع بشرعية "القوة"، والاستهانة بقيم العدل والشورى والحرية والإبداع والاستخلاف، وتحول السلطة إلى استبداد يتمركز حول ذاته ويعيد إنتاج نفسه تحت أسماء متعددة، وهو ما لم يجلب للأمة العربية سوى التخلف والجهل والتبعية للغرب، وتزييف وعي الجماهير، وإفساد ضمائر الناس، وتغول الحاكم على شعبه، والهزيمة الحضارية أمام الكيان الصهيوني، وتحويل الشعب إلى ما يشبه "القطيع" الذي لا يملك من أمره سوى أن يأكل ويشرب وينام ويستيقظ، فقد كبل الطغاة عقول الجماهير عن التفكير الخلاق، وأيديها عن البناء والتنمية، وحرموها من التعبير الحر مما جعلها خارج السياق الحضاري.

إن إشكالية "السلطة" في العالم العربي تنبع من كونها ارتبطت على امتداد تاريخ الدولة العربية بالقوة العسكرية "أصحاب الشوكة" " أهل الحل والعقد" ولم ترتبط بحق الأمة في اختيار من يحكمها بإرادتها الحرة، كما أن الحاكم العربي اعتاد أن يتصرف بحرية مطلقة لا يحدها شيء سوى قوته التي يستمد منها شرعيته السياسية، ولم يتقيد في تاريخه بشريعة تقيد تصرفاته، أو دستور يحدد سلطاته أو يحد منها .

ومن الغريب أن هؤلاء الحكام المستبدين لا يستحون - وهم أجهل الناس بالسياسة، وأكثرهم عمالة وخزيا - أن يتحدثوا عن العلم والحكمة والفضيلة والوطنية سنة سلفهم الهالك فرعون الذي أراد أن يقتل نبي الله موسى عليه السلام غيرة منه بزعمه على الدين : " وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ" وهو إنما رفع شعار الغيرة على الدين كذبا وزورا حتى يحمي حكمه الظالم المستبد، و كذلك كل حاكم مستبد عبر التاريخ يسعى دائما لإخفاء نيته الخبيثة خلف شعار جذاب . بل إن الحاكم المستبد يسعى أكثر من ذلك إلى تغيير معايير الخير والشر والحق والباطل حتى يستطيع إرساء قواعد حكمه وإعلان سياساته؛ كما قال قوم لوط: " اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"؛ لأن الحكم المستبد لا يمكن أن يعبر عن طبيعته إلا إذا غير المعايير التي يقاس بها العدل والخير والحق؛ وهذا ما يفعله الحكام العرب المستبدون.

إن المذبحة التي جرت اليوم في مصر هي نتيجة حتمية لتجذر الاستبداد في بنية النظام السياسي العربي، واستعصاء هذه البنية على قبول الديمقراطية لوجود مؤسسات قادرة على ممارسة الاستبداد وإعادة إنتاجه، وهي مؤسسة الجيش، وجهاز الأمن والاستخبارات، ومؤسسات الإعلام العميلة، وجيوش المثقفين الجواسيس، فضلا عن الأسر المستبدة التي ترعى الاستبداد في العالم العربي، وإلا فما قيمة الديمقراطية إذا كانت نتيجتها أن يساق ممثلو الشعب الذين فازوا في الانتخابات إلى السجون؟ ولماذا تحتكر الدولة العنف إذا كانت لا تعبر عن إرادة الشعب؟ أو كانت تستطيع أن تمارس العنف خارج القانون؟ بل ما فائدة الدولة ذاتها إذا كان من الممكن أن تتحول إلى أداة لخدمة القوة، بدل أن تكون وسيلة لتحقيق العدل؟ ألا لعنة الله على الاستبداد والمستبدين.

[email protected]

 

16. أغسطس 2013 - 11:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا