"صحفيون من أجل العداله"، "الصحفيون الشباب"، "حراس المهنة"... أسماء، وعناوين مبادرات، أو هيئات صحفية بدأت تتناسل بكثرة مثل الخلايا السرطانية، في مشهد إعلامي مزدحم بالفضائيات، والإذاعات، والمواقع الألكترونية، والصحف، في تجربة إعلامية لازالت تتلمس خطواتها الأولى، بل وتعاني من إرهاصات الولادة.
يأخذ المراقبون على الجسم الصحفي التشرذم، وعدم التنسيق، فالرابطة، والنقابة تستنزف كل واحدة منهما جهدها في إلحاق الهزيمة بالأخرى، بدل التنافس في خدمة الصحفيين، والصحافة بشكل عام. العلاقة بين السلطة الأولى، والسلطة الرابعة ليست طبيعية – بنظر البعض- فالتأثير، والتأثر الذي يفترض أن يحكم العلاقة بين الطرفين ينقلب أحيانا عكس ما يفترض، في الحقيقة الصحافة عندنا لم تتبلور، مفهوما، ولا ممارسة، ولم تتحدد معالمها، ولا شروط الانتماء إليها، حتى أصبحت "مهنة من لا مهنة له".
هذا الواقع الذي ينخر الجسم الصحفي ربما هو ما جعل السلطات لا تتعامل باحترام مع "أدعياء الصحافة" وهي معذورة في ذلك، يجمع كثير من مراقبي المشهد الإعلامي الوطني أن هناك حرية مطلقة، تقابلها أيضا فوضى مطلقة في القطاع الصحفي، والخطير في الأمر أن الموريتانيين يتعاملون مع الإعلام بغريزة التقليد "لحمار" التي جبلوا عليها، وقد يأتي اليوم الذي تصبح عندنا قناة فضائية لكل قبيلة، أو رجل أعمال، أو كل جهة، فتحرير الفضاء السمعي البصري أنتج خلال أقل من سنتين هذا الكم الكبير من وسائل الإعلام الخصوصية التي لم تسبقها دراسة جدوى، ولا تكوين كادر صحفي، أو إداري.
رئيس الجمهورية خلال لقائه الأخيرة مع مكتب نقابة الصحفيين الجديد قالها لهم بصراحة: نظموا أنفسكم، واضبطوا أموركم الداخلية قبل أن تطمعوا بأي دعم رسمي، ونشرت قبل يومين أخبار عن تقليص الدعم المالي الحكومي الممنوح للصحافة المستقلة، كلها مؤشرات سلبية يتحمل الصحفيون – قبل غيرهم – مسؤوليتها.
هو إذا مشهد إعلامي يمكن وصفه بكل شيء سوى التنظيم، والتنسيق، مشهد إعلامي لا يسر عدوا، ولا يرضي صديقا تبقى الضبابية، والفوضوية من أهم سماته- على الأقل حتى إشعار آخر-. ما يجعل التنبؤ بمستقبل التجربة الإعلامية عندنا صعبا، ما دامت البداية بهذا الشكل من "الفوضوية" التي يبدو – للأسف – أن الجميع يفضلون التعايش مع هذا الواقع، بدل محاولة تغييره.