لا يختلف اثنان في أن الأمن والاستقرار هما أهم شيء بالنسبة للدول والشعوب؛ حيث إنه لا تنمية ولا ازدهار ولا رفاهية في غياب الأمن والاستقرار، وبما أن موريتانيا هي بلدنا وموطننا الذي لا بلد لنا غيره ولا موطن لنا سواه، وهي أمانة في أعناقنا جميعا؛ فعلينا جميعا أن نتحلى بالمسؤولية ولا نسمح للشطط أن يذهب بنا بعيدا في الأطاريح والدعايات غير المحسوبة
إننا ندعو للسلطة الحالية وعلى رأسها فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني بالتوفيق والسداد؛ معتبرين أن ما تم إنجازه وتحقيقه هو من الجهود القيمة التي يجب أن تثمن وما بقي على الطاولة ينتظر دوره نلتمس العذر في تأخر إنجازه أو عدم تنفيذه مدركين أن من طبيعة العمل البشري أنه لا يخلو من وجوه النقص والقصور...؛ غير أن هذا لا يعني تكميم الأفواه عن الملاحظة والتنبيه على أجه التقصير والخلل بما يخدم المصلحة العامة؛ فذلك شيء مما يأمرنا به ديننا الحنيف، وتدعونا إليه الممارسة الديمقراطية
إن نصح الحكام وإرشادهم وتبصيرهم بما عليهم أن يفعلوه لمصلحة من يتولون أمورهم أمر متجذر في وعينا القومي وثقافتنا الإسلامية؛ نتذكر أن الخليفة الأول أبا بكر الصديق رضي الله عنها قال في خطابه يوم توليه الحكم: "إذا رأيتموني اعوججت فقوموني"، وكذلك الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز يقول لمدير ديوانه رجاء بن حيوة: "إذا رأيتني ضللت الطريق فخذ بتلابيب ثوبي وهزني هزا عنيفا وقل لي: اتق الله يا ابن عبد العزيز فإنك ستموت"
ولا يغيب الضمير والوازع الأخلاقي عند أسلافنا من الرعيل الأول؛ فنموذج عمر بن الخطاب بهر التاريخ وجعل المؤرخين يجثون على الركب إجلالا وإكبارا له كلما تحدثوا عنه، والواقع أن المرء ينفعل أيما انفعال حينما يتذكر تلك الزيارات الميدانية التي كان يقوم بها الفاروق للأحياء الشعبية وتلك التدخلات الرائعة في الحالات الهشة التي كان يتولاها بنفسه بشكل مفعم بيقظة الضمير وبالروح الإنسانية النبيلة، ولا أريد أن أترك هذه الفقرة قبل أن أتذكر معكم محاسبة ضمير عمر لعمر التي يعبر عنها تعبيرا لا لبس فيه من خلال عبارته الشهيرة: "والله لو عثرت بقلة في العراق لسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر؟!" يرحمك الله يا عمر! ماذا يقال اليوم عن حوادث السير الأليمة التي يموت فيها الناس بالعشرات يوميا بفعل رداءة الطرق وانعدام وسائل الأمان؟
إنني أومن بضرورة العودة إلى النماذج الناصعة في تاريخنا العربي الإسلامي واستلهامها في عصرنا الراهن في ضوء التثاقف والتعاطي البناء مع الآخر بلا تحجر ولا تفريط في ميراث الآباء والأجداد الذين صنعوا التاريخ وكانوا رسل حضارة وسلام؛ بعيدا عن الغلو والتطرف بقدر ما هو بعيد – أيضا – عن التدجين وتقليم الأظافر أو تكسير المخالب
اسمحوا لي لعلي قد ند بي عرق الجاحظ (شالني دمو) – كما يقول البيظان – فاستطردت قليلا، أريد أن أتذكر – هنا – أن بلادنا تتمتع بموقع استراتيجي مهم إذا ما استغل استغلالا أمثل سيكون له عوائد تنموية كبيرة، وأن لدينا ثروات طبيعية كثيرة ومتنوعة، ومع ذلك لا يزال الفقر يمثل نسبة مرتفعة بين مواطنينا، ولا تزال البطالة هي الأخرى تأخذ نصيب الأسد وخاصة بين صفوف النساء والشباب، ولا يزال الجوع وسوء التغذية يضربان الأطفال الرضع وغير الأطفال الرضع بنسب يندى لها الجبين، ولا تزال الأمهات والمواليد يموتون لضعف العناية وانعدام البيئات الحاضنة المناسبة، ولا تزال نسب الاستبقاء في التعليم منخفضة جدا، ونسب التسرب مذهلة...
إن اقتصادنا يعتمد بشكل كبير على الثروة الاستخراجية في غياب يكاد يكون تاما للقيمة المضافة التي هي ناتج التصنيع؛ فمنذ عقود ونحن نصدر الحديد الخام الذي تعيده لنا فرنسا بقيمة مضافة عالية في شكل سيارات ابيجو ورينو وغيرها من الأدوات المصنعة الكثيرة، أما نحن فلم نفلح وربما لم نفكر في صناعة منتج مهما كان بسيطا وبدائيا من حديدنا الخام الكثير؛ لنكتب فوق هذا المنتج أو تحته صنع في موريتانيا
أسماكنا تذهب إلى الأسواق الأوروبية بدون تعليب، ونحن نضطر لاستيراد علب الصردين من المغرب، ويمكنك أن تقول الكلام ذاته عن الثروة الحيوانية التي هي عمود من أعمدة اقتصادنا الوطني، ومع ذلك نستورد الحليب ومشتقاته من هولندا وألمانيا ودول أخرى بدون أن نرشّد هذه الثروة ونخلق منها قيمة مضافة من شأنها أن تسمح لنا بالتصدير إلى الخارج أو – على الأقل – بتحقيق الاكتفاء الذاتي في حدود ما يمكن أن يصنع منها من مواد
الإجماع الوطني – يا سادة – ليس غاية في ذاته إنما هو وسيلة للتفرغ لخدمة البلد؛ من أجل خلق تنمية شاملة على مختلف الأصعدة، والاستفادة من جميع الخبرات والكفاءات الوطنية كل من موقعه، وحسب المجال الذي يمكن أن يخدم منه
بالنسبة للذين يحركون أحجار الشطرنج خلف الكواليس عليهم أن يدركوا أن الملفات المختطفة لا بد أن تعود إلى أصحابها، وأن "السيارة المجمركة" باسم شخص بعينه لا بد أن تؤدى لذلك الشخص عينه، وإلا فالأمر فيه لعب بالنار وعبث بالسلم والأمن الاجتماعيين