في الأيام الأخيرة كثر الحديث حول مخرجات اللقاء الأخير الذي جمع بين الرئيس غزواني ورئيس الوزراء الإسباني ورئيسة المفوضية الأوروبية، وكان هذا الحديث وهذا اللغط في معظمه يخوّن الرئيس محمد ولد الغزواني، ويعتبره ورّط موريتانيا في اتفاقية غير محسوبة
في الواقع لا أحد ينكر أن العلاقات والاتفاقيات الدولية لا تستقيم إلا إذا كانت قائمة على أساس من التخادم (الخدمة المتبادلة بين الأطراف)، وهذا ما يجعل التعاون والعلاقات المؤديان إلى الاتفاقيات المثمرة بين الدول ضروريان ويسعى إليهما كل حاكم يريد أن يخدم شعبه ووطنه بإخلاص؛ غير أن المفاوض الذي يتطلع لإبرام الاتفاقيات المثمرة مع الآخر يجب أن يتسلح بامتلاك القرار السيادي إضافة إلى المعرفة المحيطة والإخلاص التام للمصلحة العامة في الحاضر وعلى المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة؛ وذلك حتى لا يكون ما يقوم به جناية على الأجيال الحاضرة ناهيك عن الأجيال القادمة
ما حدث بين الرئيس وضيفيه الأوروبيين قد يكون مفضيا إلى أن تشدد موريتانيا الحراسة أكثر على حدودها وخاصة الشواطئ في سبيل منع الهجرة غير الشرعية المتجهة إلى أوروبا، وفي هذه الحالة – فيما أظن – موريتانيا هي الرابح، وقد يكون مفضيا إلى سناريو آخر قاتم جدا، وهو أن تبني موريتانيا ملاجئ لاستقبال المهاجرين المطرودين من أوروبا؛ على أن تجنسهم أو تحتويهم بأي شكل من الأشكال، ولا يخفى على أحد ما في هذا السناريو الأخير من الأخطار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي لا يعوضها "السخاء" الأوروبي؛ حيث لا سخاء هناك
الواقع أنني قرأت البيان الصحفي المشترك الذي صدر عن الأطراف الثلاثة، وإذا ما اعتبرنا طبيعة اللغة الدبلوماسية أمكننا أن نقول إنه تضمن فقرات تشي ببعض ملامح السناريو الأخير الذي وصفناه بالقاتم، فتلك الفقرات تثمن استضافة موريتانيا للاجئين وترى أنه يستوجب الإعانة للاجئين وللبلد المضيف؛ صحيح أن موريتانيا كانت وما زالت محل استضافة لاجئين كثر، وكلنا يذكر مخيم امبره والأجانب الكثر في نواكشوط ونواذيبو، ولكن علينا أن نتساءل بقدر من التيقظ هل التثمين الأوروبي في الوثيقة آنفة الذكر هو فقط للوضعية الحالية للاجئين في موريتانيا أم هو لوضعية أخرى مغايرة يراد خلقها في هذا البلد المقبل على تفجر في الثروروات، وربما على تطور اجتماعي واقتصادي كبير؛ لتكون قنبلة موقوتة قادرة على تفجيره في أي وقت؟ نحن نعرف أن إسبانيا والمفوضية الأوروبية ليسا فاعل خير، وأن رئيس الوزراء الأسباني والمسؤولة الأوروبية لم يأتيا ليعينا موريتانيا على نوائب الدهر! حقيقة على الموريتانيين أن لا يكونوا أغبياء وأن ينتبهوا ويتفحصوا مواقع أقدامهم قبل أن يقدموا على أي فعل ذي بال
وإذا كان بعض فقرات الوثيقة التي ألمحنا إليها أعلاه تشير إلى أشياء غير مرغوب فيها، فإن المبلغ الممنوح من طرف الأوروبيين للموريتانيين يشي هو الآخر بجسامة المهمة (بيع الوطن)
إن موريتانيا فيما يتعلق بالبعد الديمغرافي حساسة جدا وبالتعبير الحساني: (ظيقة أخلاقها) ومتى ما قبلنا أن تكون مستقرا للسيول البشرية الجارفة التي لم تجد موطئ قدم في أوروبا فإننا بذلك نقوم بتوقيع شهادة وفاة لهذا البلد ولسكانه الأصليين؛ لنعطيه من ثم بطاقة هوية مختلقة عن بطاقته الأصلية؛ إننا – ببساطة بفعل كهذا – نفتح البلد على احتمالات لا نتحكم فيها، إننا – باختصار – نضعه في أتون دوامة من المشاكل الأمنية والاجتماعية والاقتصادية...
بعيدا عن نظريات المؤامرة وبعيدا عن التخوين وبعيدا عن الغوغائية أقول لك يا سيدي الرئيس: إن البلد مقبل على طفرة اقتصادية وعلى تحول إيجابي من نوع ما وبلدان العالم تشعر بالأهمية المرتقبة للبلد، وتريد أن تحظى منه بالشراكات والاتفاقيات التي تساعدها في حل مشاكلها، ولكن البعض – بحسن نية أو بسوئها – يريد أن يقوم بزراعة الألغام في هذا البلد الذي لم يذق بعد جل مواطنيه طعما لثرواته الكثيرة، فعليك – يا سيدي الرئيس – أن تتحلى بالمسؤولية التاريخية ولا تورط بلدي وبلدك وبلد كل مواطن موريتاني فيما لا تحمد عقباه فتذكرك الأجيال اللاحقة بما لا تحب
كلنا يعلم أن هؤلاء اللاجئين إذا ما كتب لهم الاستقرار في بلادنا سيكونون حزاما جديدا من أحزمة الفقر الكثيرة بطبيعة الحال بين سكاننا الأصليين، وسيكونون مصدرا من مصادر الجريمة لا يمكن التحكم فيه بسهولة، وسيزاحمون المواطنون في أعمالهم ومعاشهم اليومي، كما أن التحول الديمغرافي الذي سيؤدون إليه لا يمكن السكوت عنه، الأمر – يا سيدي الرئيس – إذا ما احتسبناه في سناريو الملاجئ – عبارة عن لغم مزروع فالحذر
قد يكون مبلغ من المال يناله أحدنا شيئا رائعا وخاصة إذا أخذ مكانه في توفية مشاكل التسيير الكثيرة، ولكن علينا أن نتصور أنفسنا في أفق ما يترتب عليه ذلك المال؛ حينها يمكن أن نقول حين لات مندم: لقد ورطنا هذا المال في مشاكل لا قبل لنا بها. اللهم سلم