مرة أخرى امتلأت شوارع العاصمة بالبرك والمستنقعات وتحولت بذلك إلى مدينة لا تطاق، وبذلك أيضا نكون قد خسرنا حربا أخرى من حروبنا "المقدسة" الكثيرة!!
حاربنا الأمية فتفشت الأمية، وحاربنا الفقر فازددنا فقرا، وحاربنا الفساد فهزمنا الفساد شر هزيمة. وإذا ما عدنا إلى حصيلة خسائرنا في حربنا مع الفساد
والمفسدين فسنجد بأن "سجن ألاك" الذي وعدنا بأن نملأه بالمفسدين لم يزره مفسد واحد ولو للحظة عابرة، بل على العكس، فقد سارعنا ومن قبل النسخة الرابعة من لقاء الشعب، إلى تقليص عدد المفسدين في السجون، فأطلقنا سراح بعضهم كما هو الحال بالنسبة لعمدة جدر المحكن المدان باختلاس ملياري أوقية، وكما هو الحال أيضا بالنسبة لجميع المتهمين في صفقة ملعب نواذيبو والذين تم إطلاق سراحهم في الفترة ذاتها.
ومن تجليات فشل حربنا على الفساد هو أن تعيين المفسدين ظل متواصلا، خلال السنوات الخمس الماضية، وبنفس الوتيرة.ولقد برر قائد ومفجر الحرب على الفساد ذلك بحجة أن المفسدين قد تابوا في عهده، ومن المعلوم بأن التوبة تستوجب شرعا وقانونا أن يعتذر المفسد، وأن يعيد المال المسروق إلى أهله، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
وإذا كان اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب هو من أهم أسلحة الحرب على الفساد، فإنه يمكننا القول بأن هذا السلاح لم يتم استخدامه منذ وصول الرئيس الحالي إلى السلطة، وحتى يومنا هذا. وكدليل على ذلك فيكفي أن نقرأ سيرة من يترأس اليوم أعلى إدارة تفتيشية في الدولة، أو نقرأ سيرة من يترأس أعلى هيئة دستورية في البلاد، أو سيرة من يدير أعلى مدرسة لتخريج القضاة والصحافة، والتي كان ينتظر من خريجيها أن يعززوا قواتنا غير الباسلة المحاربة للفساد.
وعموما فنحن هكذا دائما، هكذا كنا عندما حاربنا الأمية والسمنة، وهكذا صرنا عندما حاربنا الفساد والمستنقعات. فنحن كلما حددنا عدوا وقررنا محاربته، فإن الذي يحصل بعد ذلك هو أن العدو الذي تم استهدافه يزداد قوة وشراسة وفتكا. حدث ذلك يوم حاربنا الأمية، وها هو يحدث خلال حربنا مع الفساد ومع المستنقعات والبرك.
إن المتأمل في حروبنا غير المشرفة إطلاقا سيلاحظ بأن أعداءنا يزدادون قوة كلما أعلنا الحرب عليهم، وهذا هو الذي جعلني أتقدم بهذا النداء العاجل إلى حكومتنا الموقرة من أجل إعلان هدنة فورية وعاجلة مع كل أعدائنا خاصة مع البرك والمستنقعات، والتي كان الرئيس قد أعلن ضدها حربا شرسة ذات أربعاء صادف يوم ٢٩ من أغسطس من العام ٢٠١٢.
ربما كان حالنا مع البرك والمستنقعات سيكون أفضل، لو أن الرئيس لم يعلن في ذلك الأربعاء عن حرب شرسة ضد البرك والمستنقعات، ولكن مأساتنا الحقيقية هي أن الرئيس قد أعلن يومها عن حربه ضد البرك والمستنقعات، فزادت البرك والمستنقعات حتى وصلت بعد عام من الحرب عليها إلى ما وصلت إليه، مما تشاهدون في يومكم هذا.
وللتاريخ، وللتاريخ فقط، دعونا نعد إلى شيء مما كتبته الوكالة الموريتانية للأنباء لحظة انطلاق الشرارة الأولى لحرب الجمهورية الإسلامية الموريتانية مع البرك والمستنقعات.
لقد كتبت الوكالة يومها و تحت عنوان : "رئيس الجمهورية يطلق الخطة الاستعجالية للقضاء على البرك والمستنقعات في نواكشوط" :
" أعطى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز مساء اليوم الأربعاء من مقاطعة تفرغ زينه، إشارة انطلاق حملة تنظيف العاصمة من البرك والمستنقعات الناجمة عن مياه الأمطار وتسرب البحر.
واطلع رئيس الجمهورية بهذه المناسبة على بعض البرك المائية في مقاطعة تفرغ زينه وطرق معالجتها بواسطة الردم أو الشفط وكذا على نقاط تجميع القمامات الصلبة في الميناء وطرق التعامل معها.
واستمع رئيس الجمهورية من مستشار الوزير الأول رئيس اللجنة الجهوية للإشراف على تنظيف العاصمة السيد اديالو ممادو باتيا إلى شروح حول تفاصيل العملية والجهات المشاركة فيها والدور الذي ستلعبه في حماية صحة المواطنين وتوفير مناخ ملائم لهم بالإضافة إلى تحسين وجه العاصمة.
وأعطى رئيس الجمهورية تعليماته بتسخير جميع وسائل الدولة لتنظيف المدينة وإعطائها المكانة اللائقة في مصاف المدن الراقية، بعيدا عن الممارسات السابقة التي طبعتها الارتجالية والمحاباة في التعاطي مع هذا الشأن.
وترمي هذه الحملة التي تدوم خمسة عشر يوما إلى تنظيف مدينة نواكشوط من جميع البرك والمستنقعات وتشارك فيها وزارات الداخلية واللامركزية والإسكان والعمران والاستصلاح الترابي والمياه والصرف الصحي والتجهيز والنقل والجيش الوطني."
ونحن اليوم ـ وهذا لم يعد من كلام الوكالة ـ لا نطلب من الرئيس إلا أن يعلن عن هدنة فورية مع البرك والمستنقعات، فربما نحقق على الأرض بتلك الهدنة نتائج أفضل مما حققنا بعد عام من الحرب الشرسة مع البرك والمستنقعات.
حفظ الله موريتانيا..