بتاريخ 27/12/2010م، كتبت مقالا، بعنوان: "إصلاح التعليم في الوطن العربي"، نُشِر في بعض الصحف الورقية والإلكترونية، وفي مدونتي " اللغة العربية أمّ اللغات"، وفي صفحتي على " الفيس بوك".
وقد أشرتُ في المقال المذكور، إلى أنّ إصلاح التعليم في الوطن العربيّ، لا يمكن أن يتِمّ بمعزل عن "مشروع النهوض باللغة العربية للتّوجُّهِ نحو مجتمع المعرفة". كما أشرتُ إلى ضرورة استعمال اللغة العربية في الإدارة، وفي التدريس (في مراحل التعليم كافَّةً)، مع الاهتمام بتعلُّم بعض اللغات الأجنبية- حسَب حاجة كل بلد- والفصل بين تعلُّمِ اللغة الأجنبية وبين استعمالها في التدريس وفي المراسلات الرسمية الإدارية، فالفرق شاسع بين الاثنين. بالإضافة إلى الاهتمام بالترجمة.
ومن الأسباب التي جعلتني أعود مرة أخرى إلى هذا الموضوع، هو ما ورد في خطاب العاهل المغربيّ محمد السادس، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، حول تدبير ملف التعليم. ومن المعلوم أنّ التعاون الموريتانيّ المغربيّ في هذا المجال عرف تطورا إيجابيا ملموسا في العقود الأربعة الأخيرة- بصفة خاصة - بحيث استفاد العديد من الطلبة الموريتانيين من استكمال دراستهم في المملكة المغربية الشقيقة. يترتب على ذلك انّ جودة التعليم في المغرب ستنعكس بالضرورة على مستوى تحصيل الموريتانيين الذين تخرجوا في مؤسسات تعليمية مغربية، والعكس صحيح. وسينعكس ذلك- سلبا أو إيجابا- على مردودية هؤلاء الخريجين عندما تسنَد إليهم وظائف مهمة في الدولة. و حبذا لو استمر التعاون و التنسيق بين البلدين الشقيقين في هذا المجال الحيويّ. وعلى الرغم مما يوجه من نقد للتعليم في المغرب ، فإنني أعتقد أنه في وضع معقول ومقبول، بالمقارنة مع وضع التعليم في بعض البلدان العربية الأخرى. علما بأن مشكلات التعليم في الوطن العربيّ تتشابة إلى حد كبير، مع تفاوت نسبيّ منطقيّ راجع إلى ظروف كل بلد وتجربته الخاصة وإرثه التاريخيّ. وأذكِّر، في هذا المجال، بخُطة إصلاح التعليم التي تتولى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تنفيذها، بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
ومما جاء في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب: "...من غير المعقول أن تأتي أيّ حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما بأنها لن تستطيعَ تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها...لا ينبغي إقحام القطاع التربويّ في الإطار السياسيّ المحض ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات "السياسوية" ، بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثفافيّ، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربويّ ناجع".
والحقيقة أننا لو قمنا بإسقاط مضمون هذا الكلام على ما يحدث عندنا في موريتانيا، لوجدنا أننا نسقط – في أغلب الأحيان- في هذا الفخّ، حيث يأتي أيّ فريق جديد- بغض النظر عن طريقة وصوله إلى السلطة- بمخطط جديد، أو برنامج، أو مشروع(لا عبرة بالتسمية) من أجل"إصلاح التعليم"، مع أنّ الإدارة- بصفة عامة- يجب أن تحافظ على الحد الأدنى من الاستمرار في سياسات التخطيط، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقطاع جوهريّ يتعلق بتكوين الأجيال وتسليحهم بالعلم والمعرفة. فإذا كان كل فريق يتولى السلطة يلعن الفريق الذي حكم قبله ويحمله مسؤولية تخلف البلد ويقرر أن يبدأ من الصفر، فإننا سنستمر-إلى ما لا نهاية- في هذه الحلقة المفرغة.
أعتقد أنه يجب علينا –نحن كذلك- أن نسير في الاتجاه القاضي بعدم إقحام قطاع التعليم- عندنا في موريتانيا- في التجاذبات السياسية، بل إخضاعه لمخططات علمية مدروسة، تنفذ تدريجيا ولو على عشرات السنين. وبذلك وحده، نصل ببلادنا إلى مستوى معقول من النمو والازدهار. علمًا بأنّ العنصر البشريّ هو رأس المال الحقيقيّ، وهو الوقود المحرك لقاطرة التنمية.
وللإنصاف والالتزام بالواقعية، فلا أحدَ ينكر أنّ بعض الأنظمة أو الحكومات قد يحالفها الحظ فتكون فترات حكمها أفضل من فترات حكم غيرها، لكن ذلك لا يعني أن جميع قراراتها وتصرفاتها كانت صائبة، وأن جميع قرارات وتصرفات من سبقوها كانت خاطئة. فالعملية نسبية تماما، ولكل فريق نسبة من النجاح ونسبة من الإخفاق.
وأقول، في الختام، إنّ شعوبنا أصبحت على قدر كبير من الوعي ممّا يجعلها قادرة على التمييز بين الحق والباطل، ومن ثَمَّ، فإنّ العلاقة بين الحاكم والمحكوم يجب أن تكون مبنية على هذه الحقيقة.