قبل 15سنة تقريبا من الآن وأنا طالب بجامعة الجزائر ، كنت قد كتبت مبحثا عن علاقات موريتانيا الثنائية مع كل من الجزائر والمغرب، وذلك ضمن أطروحتي عن التعاون المغاربي في السياسة الخارجية الموريتانية، ورغم شح المراجع آنذاك وصعوبة التنقل بين المكتبات ، حاولت بالتوازن الأكاديمي من ناحية (الموضوعية) واستحضارا لموقف الحياد الذي تنتهجه بلادنا من ناحية أخرى، أن أسس الأطروحة على أهمية أن ينتقل الموقف الدبلوماسي لموريتانيا من مجرد الحياد السلبي ، الذي يعجز عن التعاون بفاعلية وضمن مصالح موريتانيا غير المرتهنة لهذا الطرف أو ذاك، إلى تبني مداخل التعاون المشترك القائم على الحياد الايجابي وتفعيل كل متطلبات أواصر التعاون والتبادل والعلاقات الأخوية بين موريتانيا وجيرانها في البلدان المغاربية خاصة الجزائر والمغرب اللتين يجمعنا معهما المغرب العربي والشمال الإفريقي تاريخيا وجغرافيا، فضلا عن القيم الكثيرة المشتركة دينيا وثقافيا واجتماعيا إضافة إلى المصالح الاقتصادية والتنموية الهائلة التي ينبغي أن تطغى على كل المسائل السياسية الآنية، وفق هذه الرؤية أو المقاربة التي ستؤدي مع الوقت لدفع التعاون والتكامل المغاربي إلى مسارات أرحب وأوسع .
حينها كانت مسائل البحث وتوصياته والتي منها تفعيل المنظمات الإقليمية كالمغرب العربي ومنظمة استثمار نهر السنغال وتعبيد الطرق البينية كطريق تيندوف – زويرات، الرابط بين المناطق الحدودية وتعميق وتنويع التعاون الثنائي الاقتصادي مع كل من الجزائر والمغرب في نفس الوقت ، أملا بعيدا لا أرى له تصديقا في الواقع، إذ كل الأنظمة السابقة غير متوازنة في علاقاتها مع دول الجوار ولم تسع لمصالح موريتانيا بهذا المعني الاسترتيجي المشترك مع كل منها، بل عاجزة للتجاذب أو الخلاف على حساب مصالح موريتانيا غالبا التي تضيع، للاسف بسبب الاستقطاب الآني ، ورغم ذلك كنت متأكدا أن الدبلوماسية الناجحة والحياد الايجابي بين الأشقاء والمصالح المشتركة والمصير الواحد تقتضي أن تتحقق لموريتانيا هذه المقاربة في السياسة الخارجية يوما ما ، إذا ما حظيت بنظام سياسي وطني ومتوازن يراهن على مصالح الأمة برؤية ثاقبة ودبلوماسية محايدة وفاعلة في نفس الوقت .
وها نحن اليوم بفضل الله نحقق هذه المقاربة المتوازنة التي يعرفها الدارسون والباحثون في هذه العلاقات ونحظى بقيادة سياسية رشيدة ومتبصرة منذ انتخاب فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الذي راهن من أول يوم على مصلحة موريتانيا ضمن علاقاتها الإقليمية والدولية وبوأ كل الأشقاء والأصدقاء منازلهم باحترام وتبادل لصالح موريتانيا وفق مبادئي دبلوماسية وأخوية محايدة بفاعلية في الخلافات التي قد تقع بين الجيران ، فموريتانيا بلا شك تحب للمغرب والجزائر الخير وما يسعى إليه كل منهما من تقدم وازدهار لصالح الجميع ، وتعمل على تقوية أواصر الاخوة والتبادل معهما كغيرهما من الجوار الافريقي وحتى الأوربي الجار غير المباشر ، ولكن لاتنحاز لأي منهما ولا لغير مصالحها في خلافات بينية نرجو أن يغلب عليها الحوار والمصالح والمصير المشترك، لتنعم شعوب المنطقة بالتعاون والتكامل المغاربي والغرب افريقي إن صح التعبير.
لقد جسدت حكومة بلادي اليوم هذه السياسة المتقدمة في الدفع بمصالح موريتانيا والإقليم المغاربي إلى الأمام ففي الوقت الذي يدشن فيه فخامة رئيس الجمهورية طريق تندوف – زويرات، مع مشاريع أخرى مشتركة مع الشقيقة الجزائر كان معالي الوزير الأول يستقبل وفدا مغربيا ساميا ورجال أعمال موريتانيين ومغاربة في نهاية أيام اقتصادية مثمرة في العلاقات مع الأشقاء في المملكة المغربية التي توسعت العلاقات معها في الفترة الأخيرة الى مجالات عديدة ومتنوعة ويزيدها ارتباطا وتبادلا جسر الاخوة أيضا مع الأشقاء بالسينغال الذي يعتبر في نفس الوقت طريقا استراتجيا بين أوربا وإفريقيا مرورا بالمغرب.