كنت في تقديم سابق لمقابلة إذاعية نادرة مع المؤرخ الكبير المختار بن حامد، قد أومأت أنني سأعود إلى هذا العلامة في وقت لاحق. والوعد عهد في ذمة صاحبه، وتصديق ذلك هو أنني أعود إلى ذلك بالحديث عن العلامة وهو في مدينة شنقيط العامرة ومع بعض أعلامها، نشأت تلك العلاقة الثقافية المتميزة، وأنتجت نصوصا شاعرية رائدة تفوح بصدق العاطفة. وقد سجل ذلك في كتاب شعراء موريتانيا القدماء والمحدثون لمؤلفه محمد يوسف مقلد، وقد رأينا في المقابلة كيف أن العلامة قد زود المؤلف بمعظم ما دونه في ذلك الكتاب.
ولعل اشتغال العلامة في مدرسة أطار مدرسا للنحو والصرف والأدب.، كان بداية لتلك العلاقة التي نتج عنها حب أهل شنقيط بل ومصاهرتهم، ومن ثم التعرف على أعيانهم وأعلام ثقافتهم، حيث قال عن تلك البداية:
فقالت تغربت في الأقصين والغربا والكلَّ جاورت ذا قرباك والجنبا
فاذكر لنا عجبا مما رأيت فكـــــــــــــم رأيت من عجب عنا قد احتجبا
فقلت زرت بشنجيط مقــــــــــــــــــــــــــــابره ورأيت عند إمام الوطأة العجبا
ثم تابع ذكر أهل شنقيط ومجموعة من أسرهم مشيدا بعلمهم وحسبهم وطيبتهم، إلى غير ذلك من المحامد التي عرفها العلامة، وخبرها في تلك المجموعة التي تحدث عنها.
وبعد ذلك الحديث الممتع يختار أعلاما لهم صداقة شخصية معه، ومنهم العلامة أحمد بن عبد العزيز بن حامن، حيث يقول:
وكابن عبد العزيز لذ مـــــــــورده من العلى والتليد العز إذ وهـــــبا
والخير البر مولى البرِّ فاعـــــله والتارك الإثم والعوراء والــــــــــــريبا
إلى وقار وعلم زانه عـــــــــــــــــــــــمل وزانه أدب يا حبــــــــــــــــــــــــــــذا الأدبا
إلى قريض قصيد لو به حليت قحل العجائز، فتن الخُرَّد العُرُبا
ثم ينتقل إلى صديقه الآخر القاضي والأديب، محمد عبد الله بن فال بن أحمد محمود، حيث يقول:
وكابن فال الذي فاتت محاسنه وصفي، فكنت خراشا حين كن ظبا
الناظم الدر مهما قال قـــــــــــــــافية والمبرز الدر منثورا إذا خـــــــــــــــــــــــــــطبا
وقال فيه من قصيدة حسنة أخرى:
وزر أديب أريب العصر شاعره سليل "فال" تحيات سنيـــــات
فذلك البحر في جود وفي كرم وفي نبوغ وعلياوات همـــــــات
أجد مجدا تليدا ثم شد بــــــــــــــــــــه أعضاد مجدٍ لأجداد وجدات
وفي هذه القصيدة ذكر شنقيط أيضا بالاسم حيث قال:
اقرأ على أرض شنجيط وساكنها أسنى السلام وغراء التحيات
ولا نختم ما وقفنا عليه من حب العلامة لأعلام مدينة شنقيط وتقديره لهم حق قدرهم، حتى نذكر مديحه للعلامة والشيخ الكبير محمد الأمين بن سيدأحمد بن البشير، وقد أفنى حياته في التدريس والتعليم، وكانت له محظرة كبيرة في مدينة أطار، فقد أنشد فيه العلامة المختار قصيدة قال في مقدمتها:
عصيت اللواتي في الهوى جئن نصحا وقلت لعذالي لحا الله من لحا
إلى أن يقول فيه:
لقد فاز هذا القطر بابن سِدَ حْمَـــــــد سليل البشير الحبر فــــــــــــوزا وأفلحا
على حين ليل الجهل أظلم والهوى وروض الهدى والعلم والبر صوحا
غدا يشرح العلم الصحيح ولم تكن علوم الهدى لولاه يـــــــــــــــــــــوما لتشرحا
يدرس ما قد كان درس مــــــــــــــــــالك ويحيى الذي أحيا ويمحو الذي محا
إن حضور العلامة المختار بن حامد رحمه الله في مدينة شنقيط يعد حلقة طريفة من حياته خاصة، وحياة موريتانيا بعامة، وأدبه في هذه المدينة وفي أهلها يعتبر من أجمل ما قاله وأصدقه عاطفة، يمتاز باختيار معجم سهل معبر عن المقصود، ومدلل على المعنى.