ظلت إلى عهد قريب تسمى وزارة الثقافة والتوجيه الإسلام، ما يعتبره البعض تناقضا بين المفهومين، وضمن إعادة الهيكلة التي شهدتها عدة وزارات أصبحت تسمى "وزارة الثقافة والشباب والرياضة" كما باتت تحظى بأهمية كبيرة،
بعد أن كانت من الوزارات المهمشة. ولعل ظاهرة المهرجانات الثقافية التي تكثفت في السنوات الثلاثة الماضية هي التي دفعت بهذا القطاع إلى دائرة الضوء، حيث تنادت المدن، والأطر على تنظيم المهرجانات التي يسمونها "ثقافية" ونظم بعضها بإشراف رسمي، ورعاية من أعلى هرم السلطة، مثل مهرجان المدن القديمة، في شنقيط، و وادان، وتيشيت، وسيأتي دور ولاته في شهر يناير المقبل. وربما يأتي أيضا مدينة "انبيكت لحواش" و"ترمسه" ومدينة "الشامي" لتنظم هي الأخرى مهرجانات تعكس تراث هذه المدن العريقة !!!
بيد أن البعض يأخذ على هذه المهرجانات ذات الطابع الثقافي تحولها إلى مناسبات سياسية بثوب الثقافة، فجميع الأنشطة المبرمجة في هذه المهرجانات تعكس وجهة نظر محددة، وتمجد – بطريقة أو بأخرى – النظام الحالي، وهي كذلك فرصة لتلاقي أطر المدينة، والتنسيق فيما بينهم لخدمة السياسة، قبل الثقافة.
ثم إن بعض هذه المهرجانات ليس فيه من الثقافة إلا اسمه، فالثقافة مصطلح واسع، ومفهوم عام، يشمل كل ما أنتجته الأمة من علم، وأدب، وفن، وعادات، وتقاليد...في جميع مناحي الحياة، في حين تختزل بعض مهرجاناتنا الثقافية، في الرقص، والغناء، وتبادل الخطب، وكأن هذه هي الثقافة.
البعد السياسي في مهرجانات الثقافة لا يقتصر على طبيعة فقراتها فحسب، بل تدخل التجاذبات السياسية، والصراع على النفوذ في برمجة هذه المهرجانات، والأنشطة الثقافية، لتحرم مدن من تنظيمها، وتشجع، وتدعم مدن أخرى!!!
جديد هذا الملف ما يتم تداوله هذه الأيام من منع وزارة الثقافة لبطولة الرماية التقليدية التي كانت ستقام في مدينة لعيون، ضمن تظاهرة ثقافية في المدينة، حيث يتهم البعض الوزارة بالرضوخ لاعتبارات سياسية بالأساس لمنع هذه التظاهرة في لعيون، ما أثار غضب بعض سكان هذه المدينة عبروا عنه في شكل وقفات بدأت تنظم أمام الولاية.
تعود إذا وزارة الثقافة من جديد لتتصدر عناوين الأخبار، بعد أسابيع قليلة من الضجة التي أثيرت في القطاع، وأدت ارتداداتها لإقالة الوزيرة سيسه بنت بيده، وتعيين لاله بنت اشريف، رئيسة حزب الحراك الشباب، لتواجه أول اختبار حقيقي لها، في التعامل مع ملفات، ودهاليز هذه الوزارة المعقدة، فكيف ستتعامل الوزيرة الجديدة مع قضية لعيون؟؟ وهل ستقام هذه التظاهرة، أم ستمنع؟؟ وما تداعيات كل ذلك، على المدينة، وعلى الثقافة، وعلى الوزيرة؟؟ المؤكد أن الثقافة عموما، والرماية خصوصا تحظى بأهمية بالغة عند رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، حيث صادق مجلس الوزراء مؤخرا على قانون ينظم هذه الرياضة، ويحرص ولد عبد العزيز على الحضور شخصيا لمهرجان المدن القديمة، وبعض مباريات الفريق الوطني.
وهذه الأهمية التي يوليها الرئيس لقطاع الثقافة، والرياضة ولدت – بالضرورة- صراعا بين الأطر، والمتنفذين على هذه المهرجانات، والأنشطة الثقافية، ما يجعل الوزيرة الجديدة مضطرة للتعامل بحذر مع هذا "الحراك الثقافي" الذي قد يبدو التعامل معه أصعب من "الحراك الشبابي"