بفضل المؤسسية التي رسخها فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني منذ توليه للرئاسة، لم يعد في وجدان الشعب الموريتاني إيمان حتمي بالقائد الضرورة الذي يدور حول نفسه، ويحاول تسخير إمكانيات البلد لدوران الشعب حوله، لكن المجتمعات الحية تدرك بوعيها الجمعي أهمية القادة الذين يعبرون بالبلدان من حالة الفراغ المشتَّت إلى البناء المؤسسي التكاملي. فللإجماع الوطني الذي حظي به الرئيس منذ توليه السلطة دور في تعاطي فخامته مع الشأن العام عموما؛ ومنه الترشح للمأمورية الثانية، فالرئيس يعتبر الإجماع الوطني عليه "عقدا اجتماعيا" يوجب إعادة الأمور إلى الشعب في تقرير ترشحه للمأمورية الثانية من عدمه، وهي لفتة كريمة من الرئيس تجاه شعبه، وبيد الشعب القرار في المطالبة بذلك الترشح وبيده التصويت بعد القرار.
ومن موقعي في الطاقم الاستشاري لسعادة رئيس حزب الإنصاف الحاكم ومن خلال الرصد الدائم لمستجدات الساحة الوطنية واستشراف توجهاتها المستقبلية، وأثر التفاعل الإقليمي والدولي مع سياسات بلادنا خلال المأمورية المنصرمة أسجل بعض الأفكار حول إعادة ترشيح فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لمأمورية ثانية تكمل ما بدأ تأسيسه في مأمورية الإجماع الوطني الأولى:
أولا: الإجماع الوطني الذي حظي به الرئيس منذ إعلانه الترشح فاتح مارس 2019 ظل يتعزز سياسيا واجتماعيا باستمرار، فالقوى السياسية والشبابية التي عرفت بمعارضتها للأنظمة رأت في فخامته القائد المنشود فكانت بين داعم صراحة، ومؤيد بصمت؛ وظل النظام يستقبل الداعمين المستقيلين من المعارضة زرافات ووحدانا، ولم يسجل أن انتقل أحد الداعمين إلى صفوف المعارضة طيلة السنوات الخمس الماضية، ومن المسلمات في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم أن القائد لا يتخلى عن شعب يلتف حوله.
ثانيا: هذا الالتفاف الشعبي المشار إليه تعبر عنه القوى الوطنية في أحزابها السياسية الداعمة لفخامته 13 حزب من أصل 18، وفي نقاباتها العمالية والمهنية، والمبادرات الوطنية المؤيدة لمشروع "تعهداتي" وذلك ما أكدته الاستحقاقات النيابية والبلدية الماضية، حيث أعلن 230 عمدة من أصل 238 دعهم لترشح فخامته لمأمورية ثانية ورغبتهم في إعلان ذلك بسرعة.
ثالثا: العناية التي أولاها فخامة الرئيس للفئات الهشة، وقواعد الدعم والرعاية التي أرستها مأمورية الإجماع الوطني اتجاه هذه الفئات تحتاج مواصلة في مأمورية جديدة لانتشال المهمشين، ووضعهم على سكة التنمية والبناء بعد إغاثتهم الأولية من خلال التأمين الصحي والمشاريع الاجتماعية المختلفة الموجهة إلى هذه المناطق والفئات والتي زادت مخصصاتها على 777 مليار أوقية قديمة، وهو مبلغ هائل جدا، لكنه حقق كثيرا من فعاليات التنمية، ورسم البسمة هلالا مشرقا على وجوه المستهدفين في مناطقهم التي كانت معزولة عن كثير من الخدمات ليعبّروا عن امتنانهم لرئيس الجمهورية في كل المناسبات.
رابعا: التلاحم بين أفراد الشعب وفئاته، والعافية السياسية بين النظام وقوى المعارضة الوطنية كلها صدى لتعاطي فخامته مع الشأن العام الذي ترسخت فيه لغة الاحترام المتبادل والطمأنينة، واختفت منه مظاهر التوتر النفسي والصراع العدمي، وهذا مكسب وطني استراتيجي يحتاج ترسيخه لمأمورية ثانية بل هي ضرورية له.
خامسا: في السنوات المنصرمة من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ارتفعت جاذبية الاقتصاد الوطني، وتعززت الاستثمارات وتدفقت رؤوس أموال نوعية إلى البلاد من مستثمرين من مختلف أنحاء العالم، وتم العمل على إصلاح التعليم وإطلاق المدرسة الجمهورية، وتنوعت المشاريع التنموية من استصلاح الأراضي الزراعية، وبناء أكثر منى 4000 فصل دراسي مجهز، واكتتاب أكثر من 8000 مدرس، ينضاف هؤلاء إلى قرابة عشرات الآلاف الأخرى من الشباب الموريتاني في مختلف القطاعات المدنية والأمنية والعسكرية، وفي مختلف الأسلاك، زيادة على قرابة 30 ألفا أخرى حصلت على وظائف في القطاع الخاص ضمن اتفاق تشغيل مع وزارة الوظيفة العمومية.
سادسا: التوتر الإقليمي المحيط بالبلد من كل الجهات، وانفراط عقد النظام في عدد من دول الجوار والإقليم يحتاج حنكة قائد لا يتأثر باللحظة ولا يغفل عن العواقب، ويدرك كل التحديات بأبعادها الجيوسياسية والأمنية، ويستطيع التعامل باتزان مع تنافس القوى الدولية وأطماعها في المنطقة .
سابعا: المرحلة الحرجة التي تمر بها قضية فلسطين في ظل حرب الإبادة على أهل غزة، ومواقف فخامته الناصعة في ظل خذلان عربي ودولي، فالإجماع الوطني على فخامته صاحبه تقدير وطني وعربي على موقفه الشجاع الداعم لفلسطين وقضية شعبها العادلة، ومستقبل هذه القضية يحتاج تكتلا عربيا يحافظ على القضية حتى التحرير، ودور بلادنا في هذا يجب أن يتعزز بمستوى موقف فخامته والشعب من فلسطين.
إن موريتانيا اليوم تعيش ذورة ازدهار أدائها الدبلوماسي في المنطقة، حيث هي قطب إقليمي ومركز اهتمام عالمي بحكم السلوك السياسي لقيادة البلد، واستغلالها بذكاء للموقع والقدرات وأوراق القوة، وما كان ذلك ليتحقق لولا عون الله تعالى وتوفيقه، ورؤية قائد فذٍّ يعمل من أجل وطنه، بناء وتعميرا وإخاء وطنيا وتنمية شاملة، ومن أجل ذلك وتأسيسا عليه فإن ترشيح فخامته لمأمورية ثانية هو الموقف الوطني الذي تطالب به النخبة الواعية والشعب المؤمن بوطنه الساعي إلى حماية الإنجازات، وإلى فتح أبواب الآفاق الواعدة، أما التهريجات الأخرى التي تصدر بين الحين والآخر عن بعض من أدمنوا مغالطة الرأي العام، أو تفويت الفرص أو بناء المواقف على أمواج الوهم السياسي، فليس في الأمر أي غرابة، فالشيئ من مأتاه لا يستغرب.
المختار القاسم / مستشار رئيس حزب الإنصاف