في أحداث السيرة النبوية أن قريشا نقضت عهدها الذي أبرمته مع المسلمين في صلح الحديبية، وذلك عند ما غدر حلفاءها من بنى بكر بحلفاء المسلمين من بني خزاعة – الذي اسلموا في فترة الحلف – وقتلوهم ركعا وسجدا.
فجاء سيدهم عمرو بن سالم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي له الخبر، ويصور له فظاعة المشهد في موقف عاطفي خاشع، وقال له مما قال :
يا رب إني ناشد محمــــدا .. حلف أبينا وأبيه الأتلـدا
إن قريشا أخلفوك الموعـدا .. ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالوتــــير هجـدا .. وقتلونا ركـعا وسجـــدا
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (نصرت يا عمرو بن سالم)، وما هي إلا أيام حتى كان الفتح المبين "فتح مكة".
واليوم ونحن نقرأ الواقع ونقارنه بأحداث الماضي، نرى أن العسكر الفاشل عبد الفتاح السيسي قد نقض عهده وذلك حين عزل الرئيس الشرعي الذي عينه وزيرا للدفاع، وحل الدستور الذي أقسم على احترامه، وخان وطنه الذي أقسم على خدمته، وخان جماهير شعبه التي أقسم على احترام إرادتها ! فقتلها ركعا وسجدا وصوما !
ولو كان عمرو بن سالم اليوم بيننا لعجزت حروفه وتعابيره عن توصيف المشهد ورسم ملامحه، وذلك من شدة فظاعة المجازر التي ارتكبها السيسي وجنوده بحق الركع السجد الصوم !
فهل هي بداية النصر المبين؟ وهل هي بشائر الفتح العظيم الذي تسترد فيه الأمة عزتها وكرامتها، وتستعيد فيه هويتها؟ ذلك ما فهمته من مفاد كلام المفكر المسلم العظيم محمد أحمد الراشد في رسالته "الردة عن الحرية".
وفي قوله تعالى : (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) شاهد آخر على المعنى الذي نريد. ودفاع الله عن الذين آمنوا ليس بالضرورة أن يكون دائما في صورة حضور الملائكة لتقاتل معهم كما حدث للمسلمين يوم بدر، بل إن هذا الدفاع قد يتخذ صورا وأشكالا متعددة منها تثبيت المؤمنين والربط على قلوبهم وإنزال السكينة عليهم، ومنها إلهامهم الصواب في قراراتهم ومواقفهم، ومنها جعل البركة في جهودهم وتضحياتهم، ومنها إظهار حجتهم وإكسابهم تعاطف الجماهير وجعلها تلتف حولهم، ومنها خذلان خصومهم بفضح مكائدهم وكشف سوءاتهم وأخلاقهم الذميمة وسوقهم إلى القرارات والمواقف التي يكون فيها هلاكهم.
قال القرطبي : (قيل: المعنى يدفع عن المؤمنين بأن يديم توفيقهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، فلا تقدر الكفار على إمالتهم عن دينهم، وإن جرى إكراه فيعصمهم حتى لا يرتدوا بقلوبهم. وقيل: يدفع عن المؤمنين بإعلائهم بالحجة) (الجامع الأحكام القرآن، ج12 ص67). وليس أدل على دفاع الله عن الإخوان والحركات الإسلامية في مصر من خذلانه للسيسي وجنوده حتى أداهم تخبطهم السياسي إلى القتل العشوائي وإلى الاعتقال العشوائي، وإلى القيام بتعذيب السجناء حتى إنه لم يسلم من تعذيبهم الشيخ الثمانيني المرشد محمد مهدي عاكف، والشيخ السبعيني المرشد محمد بديع ! .. هذين الشيخين الجليلين الوقورين الذين شابا في الإسلام .. ووالله لا يؤذيهما إلا شقي مخذول.
وما درى الأوغاد أن أفعالهم المشينة ستكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير .. أوليس عبد الناصر قبلهم قد لجأ إلى نفس الأسلوب فعجز عن أن يجبر مهدي عاكف ومحمد بديع على الاعتراف بما لم يحدث بعد أن أمضى كل منهما قرابة عقد من الزمن في السجن تحت سياط التعذيب، واستشهد إخوانهم في السجون تحت سياط التعذيب أو تحت أعواد المشانق دون أن يعترف أي منهم بالأكاذيب والتلفيقات .. استشهد "كمال الدين السنانيري" تحت سياط التعذيب بعد أن أمضى عشرين سنة في السجن دون أن يبوح واستشهد أخوه في الله "محمد الصوابي الديب" تحت التعذيب دون يبوح هو الآخر .. واقتيد عبد القادر عودة ومحمد فرغلي ويوسف طلعت وعبد الفتاح إسماعيل وسيد قطب إلى أعواد المشانق فلم يبح أي أحد منهم بالأكاذيب فارتقوا شهداء .. وتعرضت الحاجة زينب الغزالي والسيدة أمينة قطب لأقسى أنواع التعذيب فلم تعترف أي منهما بالأكاذيب .. بل إن كل قيادات الإخوان وجل شبابهم ونسائهم تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب فلم يستطع أي أحد أن ينتزع من أي منهم اعترافا بما لم يحدث.
وفي قوله تعالى : (ويمكرون ويمكر الله) دليل ثالث على فشل خطة السيسي وبطلان كيديه ومكره الذي دبره بتعاون مع "ملوك النفط المترفين" وحكومتي "أمريكا" و"الكيان الصهيوني".
وإن دماء الشهداء ودموع المساجين وأنات الثكالى ونظرات الأيتام الحزينة ستنبت النصر، وتثمر العز والمجد والرفعة، ليس لأهل مصر وحدهم بل لكل أحرار المسلمين ولكل أحرار العالم.
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا .. فإن دموعَ البؤسِ من ثمنِ المجدِ
لا لوم عليهم، وإنما اللوم على أناس يدعون الصلاح، ثم يرضون بأن يعيشوا الحياة الذميمة، ويحيون وهم يرسفون في قيود الذل والهوان. أنت القتيل إذا حييت مذمما .. فاذهب فما في الصالحين مذمم