لم أستطع أن أتخذ موقفا محددا من الضربة المنتظرة التي ستوجهها أمريكا إلى النظام السوري، أو إلى الدولة السورية إذا شئتم، سواء كان ذلك الموقف مؤيدا أو معارضا، ولكني في المقابل استطيع
أن أقدم لكم بعض الشظايا المتناثرة من هنا ومن هناك، والتي يمكن لها إن جُمعت ورتبت بشكل سليم أن تشكل خلاصة موقفي من الضربة المنتظرة. ولأني عجزت تماما عن جمع و تلخيص هذه الشظايا وتقديمها في صيغة موقف واضح مؤيد أو معارض للضربة المنتظرة، فقد ارتأيت أن أقدمها لكم متناثرة ومبعثرة، فإن شئتم فرتبوها واجمعوها، وإن شئتم فاتركوها مبعثرة ومتناثرة مثلما كانت.
الشظية الأولى: إن من أسوأ الدكتاتوريات التي عرفتها البشرية في كل تاريخها هو هذا النوع من الدكتاتوريين الذين ابتليت به الدول العربية في تاريخها المعاصر. فأسوأ الدكتاتوريين هو ذلك الدكتاتور الذي يرتكب جرائم بشعة ضد شعبه لا يمكن إيقافها إلا بارتكاب جرائم أخرى لا تقل بشاعة ( نظام بشار نموذجا).
الشظية الثانية : إن من أكثر الرؤساء حماقة هم أولئك الرؤساء الذين يرتكبون ضد شعوبهم أبشع أنواع الجرائم وأفظعها إلى درجة تصبح فيها غالبية الشعب تنتظر الرحمة والرأفة ممن لا تُنتظر منه أصلا رحمة ولا رأفة، كما هو الحال بالطبع مع العدو الأمريكي.
الشظية الثالثة: إن الخائن حقا هو من يستدعي تدخل الأجنبي، ولكن وحتى لا يقع التباس هنا، فلا بد من القول بأن من يستدعي تدخل الأجنبي هو أولا، وثانيا، وخامسا، وتاسعا ذلك الدكتاتور الذي يقتل شعبه، ويقدم بالتالي شرعية كاملة لتدخل الأجنبي. أما عاشرا أو ربما في الرتبة العشرين فتأتي غالبية الشعب المستضعف، والتي لا تجد من يعينها من بني جلدتها، مما يجعلها تضطر للاستعانة بالأجنبي لكي يخلصها من الظلم الذي تعاني منه.
الشظية الرابعة: إن عملاء أمريكا والعدو الصهيوني في المنطقة هم أولئك الذين يشجعون الحاكم المستبد و يطبلون له ويمجدون كل جرائمه، أو يسكتون عنها على الأقل، فيساهمون بذلك في خراب ودمار بلدانهم، وبالتالي في إعطاء مبررات للتدخل الأجنبي. وإذا ما تدخل الأجنبي فإذا بهم يصرخون : لا للتدخل الصليبي الامبريالي الصهيوني، فعلى هؤلاء بالذات أن يستحوا ويسكتوا لأنهم هم من تسبب أصلا في التدخل الأجنبي.
الشظية الرابعة : إن من يسيء حقا إلى التيار القومي هم أولئك الذين يُحسبون على هذا التيار، ومع ذلك فلا يتوقفون عن مناصرة المستبدين الظالمين الباطشين بشعوبهم، حتى أصبح هذا التيار مرتبطا عند الكثيرين بالبطش والاستبداد وبكل أصناف المجازر و الجرائم التي ترتكب ضد الشعوب.
الشظية الخامسة: إن من الخرافات الشائعة عند العرب دون غيرهم من الشعوب هو أنه يمكن أن يوجد مستبد عادل. والحقيقة أنه لا يمكن إطلاقا أن يُجمع بين الكلمتين إلا إذا كان يمكن أن يُجمع بين كلمة الشيطان والرشد، فنقول مثلا "شيطان رشيد".
فلا خير في أي رئيس عربي يرفض أن يمنح لشعبه حرية التعبير وحرية الاختيار في العقد الثاني من الألفية الثالثة، حتى وإن رفع ذلك الرئيس من الشعارات الجوفاء ما يمكن أن يغطي كل المساحة الشاسعة لخارطة الوطن العربي.
الشظية السادسة: لا صحة إطلاقا لتلك الحجة التي يتذرع بها المستبدون ومناصروهم، والتي تقول بأن الشعوب العربية ليست مؤهلة حتى الآن للديمقراطية. أليس من السخافة أن تُحرم دولة كسوريا قديمة قدم التاريخ نفسه من الديمقراطية، أو دولة كالعراق، أو كمصر في حين تكون فيه شعوب بعض الدول الأخرى في إفريقيا أو في أمريكا اللاتينية أو في آسيا مؤهلة للممارسة الديمقراطية ولاختيار من يقودها؟
الشظية السابعة: لا يمكن لأي مسلم ولا لأي عربي عاقل أن ينتظر خيرا من أمريكا، فأمريكا لا تريد بالعرب ولا بالمسلمين خيرا، وهي إن تدخلت عسكريا في أي بلد عربي أو مسلم إنما تتدخل لمصالحها، ولمصالحها فقط، ولعل من أولويات أمريكا أن تظل كل الدول العربية والإسلامية تعيش في تخلف وضعف، لا شك في ذلك. ولكن في بعض الأحيان، وفي الحالة السورية بالذات لا يمكن للعاقل إلا أن يطرح على نفسه السؤال التالي : أيهما أكثر خطرا في الوقت الحالي على سوريا وعلى الشعب السوري: تدخل العدو الأمريكي أم بقاء المجرم بشار؟
الشظية الثامنة : إن هذا الشخص لن يرقص طربا لأي ضربة عابثة يوجهها غدا المجرم بشار للعدو الصهيوني ردا على الضربة الأمريكية المنتظرة، وذلك لقناعته بأن الغرض من تلك الضربة لن يكون قطعا إيذاء العدو الصهيوني. بل أكثر من ذلك فإن هذا الشخص على قناعة كاملة بأن نصرة فلسطين تبدأ أولا ببناء دول عربية وإسلامية قوية قادرة على مواجهة إسرائيل، ويبقى الشرط الأول لتحقيق ذلك هو أن يتصالح القائد مع شعبه، وأن يتعامل مع ذلك الشعب على أساس أنه هو مصدر كل السلطات. إن هذا الشخص لن يصدق إطلاقا أي رئيس عربي يقول بأنه يدافع عن الشعب الفلسطيني، ما دام ذلك الرئيس يبطش بشعبه. لن يصدق ذلك حتى ولو شوهد ذلك الرئيس ـ وهذا لن يحدث قطعا ـ وهو يعبر الحدود حاملا بندقيته لقتال العدو الصهيوني.
الشظية التاسعة: لا أعتقد بأن سوريا ستتعافي في الوقت القريب حتى وإن تم قتل بشار، وذلك لأن سوريا أصبحت مخزنا لكل أنواع الأسلحة، كما أنها أصبحت قبلة لكل الإرهابيين ولكل عملاء دولة المنطقة، ولذلك فسوريا لن تستقر أوضاعها في المستقبل المنظور.
ورغم تلك القناعة فإني أحمل مسؤولية كل الجرائم التي عرفتها سوريا، والتي ستعرفها مستقبلا، للمجرم بشار، وسأظل أحمله المسؤولية حتى من بعد موته، وذلك لأن بشار هو الشخص الوحيد في هذا العالم الذي كان بإمكانه أن يجنب سوريا ما تعيشه اليوم من مآسي، وما ستعيشه غدا من مآسي.
حفظ الله سوريا..