لا يعلو الاَن صوت في موريتانيا على صوت الانتخابات التي أعلن النظام الموريتاني عن تنظيمها في تاريخ 23 نوفمبر، بعد أن قرر تأجيلها عن موعدها الأول في الثاني عشر من أكتوبر (الموعد الذي رفضت منسقية المعارضة الموريتانية)، فالأحاديث والنقاشات تتمحور الآن
حول إمكانية تنظيمها بل وجدوائية إجرائها أصلا ، فالمعارضة مازالت تشكك في إمكانية تنظيمها وتقاطعها وترى أنها مجرد مهزلة يحاول النظام تشريع حكمه بها وأنها محسومة النتائج سلفا .
لا تحدث هذه الحالة قطعا في دولة بها مؤسسات وتجربة ديمقراطية حقيقية ، فسؤال جدوائية إجراء الانتخابات لا يطرح في الدول التي قطعت شوطا في الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة فعملية الاقتراع في الدول المستقرة والديمقراطية هي عملية إجرائية تسير بشكل تلقائي والمواعيد الانتخابية مقدسة ولا يمكن لبرلمان في إحدى الدول أن يستمر في العمل بعد سنتين من انتهاء مأموريته .
لكن هل موريتانيا جمهورية ديمقراطية ؟، وهل بها مؤسسات تحمى الدستور ولها إدارة حيادية تقف على نفس الخط من جميع مكونات المشهد السياسي ؟
من المعهود في موريتانيا أنه حين تقترب "المواعيد الانتخابية " تبدأ الإدارة باستغلال موارد الدولة من أجل الحملة الانتخابية للحزب الحاكم وللرجل الذي يجلس في القصر الرئاسي حيث يبدأ الوزراء في أخذ ميزانيات الوزارات من أجل شراء أصوات المواطنين الموريتانيين(وَصل التسجيل على اللائحة الانتخابية يباع الآن ب 6000 ألاف أوقفة ) ، ويقوم الوزراء و رجال الإدارة كذلك بابتزاز وتخويف الناس من أجل التصويت لمرشحي النظام ولا تتوقف الأمور عند هذا فجنرالات الجيش الموريتاني بدورهم يعقدون الاجتماعات القبلية والجهورية من أجل دعم من يرشح النظام الحاكم ووعد الناس بالوظائف وتحذيرهم من التصويت للمعارضين ، ويستغلون كذلك موارد الدولة لهذا الغرض وتتم هذه الأمور في العلن وتنشر أخبار هذه الاجتماعات في الصحف من دون أي تكذيب ، ويقوم العسكري الحاكم باخراج بعض المال الذي سرق من أجل شراء الذمم ودعم عملية التزوير لنفسه هذا إضافة إلى عمليات التزوير واللعب بالنتائج وحتى إن تم تقديم الطعن إلى المجلس الدستوري لا يتغير شيء ، والسبب أنه مجرد آلة لتشريع الانقلابات وتنزع دائما إلى خدمة حكم العسكر ،وذلك أمر طبيعي فهو مجلس يرأسه رجل متورط في تسريب الباكلوريا أيام كان وزير للتعليم ويعتبر أحد أبرز رموز الفساد في تاريخ البلد.
و في موريتانيا أيضا ترفض المؤسسة العسكرية احترام القانون والدستور والطريق الوحيد للتداول على السلطة هو الانقلابات العسكرية الفجة (من يحكم موريتانيا الحالي انقلب على أول رئيس مدني منتخب ) وحتى الأحكام القضائية في موريتانيا تصدر بالأمر المباشر من رأس الدولة الجنرال محمد ولد عبد العزيز ، وذلك بشاهدة القضاة الذين بدأ بعضهم يستقيل بسبب اهانة القضاء في موريتانيا وتدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية .
إذن في موريتانيا لا وجود لإدارة حيادية تقف في نفس المسافة من جميع الأطراف ، ولا جيش جمهوري يرابط على الثكنات ويحمى الحوزة الترابية للبلد و لا يتدخل في السياسي ، ولا قضاء مستقل يضمن محاسبة الفاسدين ومن يستغل نفوذه ويضمن نزاهة الانتخابات ، ولا وجود لمبدأ فصل السلطات .
ولهذا فلا معني للحديث عن تنظيم انتخابات حرة وشفافة في موريتانيا ،و ما يحدث لا يعدو كونه مهزلة تهدف إلى إضفاء مسحة ديمقراطية شكلية على حكم عسكري بشع والمشاركة فيها تعد خيانة سافرة لمشروع التغيير في موريتانيا وحلم الدولة المدنية الديمقراطية ومقطعاتها ضرورية- صحيح أنها غير كافية لكنها خطوة أولى في مشوار الألف ميل -،لذلك أظن أنه من الضروري ومن الملح خلق جبهة رافضة للوضعية الراهنة جبهة تحارب من أجل ديمقراطية حقيقية غير شكلية تقف في وجه مهازل النظام العسكري ، جبهة ترفض الرضوخ لقوانين النظام الجائرة وتنتج نهج العصيان الذي يناسب الدول الغير دستورية كموريتانيا.
جبهة تلتحم بالجماهير وتبث فيهم قيم الديمقراطية وتوعيهم وتحثهم على ضرورة رفض الخنوع وتشرح لهم ضرورة مقاطعة مسرحيات العسكر ومن يواليهم وتحاول أن تقنعهم بأنهم هم من يصنع المشهد وأنه بعصيانهم المدني على حكم العسكر ورفضهم لعب دور الكومبارس سينقذون موريتانيا من أزمتها وبالتالي ينتشلون أنفسهم من حالة الضياع والعدمية.