وقعت موريتانيا أخيراً، يوم 7 مارس 2024 اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي حول "الهجرة غير الشرعية"، تحصل بموجبها موريتانيا على تمويلتزيد قيمته على 80 مليار أوقية (أكثر من 200 مليون أورو)، مقابل العمل على الحد من موجات الهجرة المتدفقة من إفريقيا باتجاه أوروبا.
وقبل توقيع هذه الاتفاقية المثيرة للجدل، زار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فونديرلاين موريتانياليعقِدا جلسات مباحثات مع الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، حيث صرَّح الأخير في مؤتمر صحفي بأن موريتانيا تسعىللشراكة مع الاتحاد الأوروبي لكن قلقها يزداد بشأن استقرار طالبي اللجوء فيها، فهي تستضيف أكثر من 150 ألف لاجئ في مخيَّم امبرَّةشرقي البلاد.
ومع استمرار الجدل في موريتانيا حول حقيقة بنود الاتفاقية، تبرز مجموعة من الأسئلة بإلحاح:
ما الذي تريده أوروبا من موريتانيا؟ ولمذا موريتانيا بالتحديد؟
هل وافقت موريتانيا على استقبال اللاجئين الذين سيتم ترحيلهم من أوروبا ؟
وقبل محاولة الإجابة على هذه الأسئلة، جدير بالإشارة أن إشكالية الهجرة بما تطرحه من تحديات اجتماعية وسياسية، هي مشكلة أوروبيةمشتركة تتقاسم أعبائها دول الاتحاد الثمانية والعشرون، نظرا لطبيعة التكتُل الذي يتيح حرية التنقل بين دول الاتحاد.
ولقد سعت أوروبا في السنوات الماضية لعقد اتفاقيات مع دول مغاربية بينها تونس والمغرب، كما تربطها بالفعل اتفاقية مع تركيا، في محاولةلتوزيع الأعباء بين دول المنطقة، لكن الأسباب التي تدفع بالمواطنين الأفارقة لركوب قوارب الموت مازالت في تزايد، خصوصا في ظل عدمالاستقرار السياسي الذي تشهده دول أفريقية عديدة، بجانب تدهور الاقتصادات وصعود الأنظمة القمعية وتصاعد أنشطة الحركاتالجهادية المسلحة.
كل هذه العوامل، جعلت من الضروري بالنسبة لأوروبا أن تلجأ لدولةً مستقرة مثل موريتانيا، وغير بعيدة جغرافيا منها، ومستعدة للتفاوضحول ملف الهجرة، وتربطها اتفاقية شراكة منذ 2003 مع دولة عضو في الاتحاد هي إسبانيا.
ورغم هشاشة بناها التحتية، تتمتع موريتانيا بمساحة أرضية شاسعة، ونظام أمني قوي، كما تتهيأ لاستغلال ثروتها من الغاز في حقلي"بير الله" و"السلحفاة"، الأمر الذي يجعلها بلداً مناسباً لإيواء اللاجئين، مقابل وعود أوروبية بتطوير البني التحية وتعزيز الأمن ودعمقطاعات الطاقة الواعدة.
لقد بات واضحاً، بأن أوروبا تريد من موريتانيا أن تكون "شريكاً" في امتصاص أزمة المهاجرين، سواء من خلال الحد من الموجات التيتعبر أراضيها نحو أوروبا، أو من خلال إيواء وتوطين المُرحَّلين من أوروبا، الأمر الذي مازال يشوبه شيء من الغموض، حيث لم يؤكد نصالاتفاقية أن موريتانيا ستتولى إيواء المهاجرين في أراضيها، لكنه أيضاً لم يتضمن نفياً قاطعا لهذا البند، ليبقى الباب مفتوحا لتأويلالنصوص والبنود الغامضة التي تمت صياغتها بلغة غير مباشرة.
بيد أنه بات واضحاً كذلك، أنه لا يوجد حل سحري لمعضلة الهجرة غير الشرعية، وعليه فأكثر الحلول نجاعة هو أكثرها شمولية، حيث لا يمكنللقارة العجوز أن تنعم بالهدوء، ما لم تنعم به القارة السمراء.