تشهد بلادنا في السنوات الأخيرة الكثير من حوادث السير القاتلة، ولحد الآن لم يتم تشخيص الأسباب، فعلى الرغم من وفاة المئات ومن بينهم وزراء ومنتخبون وأساتذة وأطباء وأناس عاديون فإن الجهات المختصة تكاد تكون غائبة عن المشهد
ولا يعرف الوقت الذي تدق فيه الدولة ناقوس الخطر لمحاربة التهور والسرعة الزائدة والجهل بأبسط قواعد السير التي أودت بحياة خيرة أبنائنا، فإلى متى هذا الصمت المطبق؟
اليوم هو وغدا قد تكون أنتَ. ولم لا؟ فشوارع موريتانيا لا تعفي روحا ولا تميز رجلا ولا امرأة، ولا تستثني عمرا. بطلها حوادث تتغذى بلصوصيّة من حياة الآخرين، تشب على تهورهم أو إهمال دولتهم ومسؤوليهم، تسرق من ذاكرتهم الشابة أو الهرمة في ثوان معدودة أجمل اللحظات... طرق تعيد رسم خطوط البداية، فتضع حدا لربيعٍ ما أو تنقل ذاك الربيع إلى مرحلة خريف غير مضمونة.
كثيرا ما امتص (الكودرون) الموريتاني الرديء دماء أبنائه، وكثيرا ما تشربت عيون ذويهم بدموع لم تجفّ بعد على من خطفه الموت في لحظات سخيفة وفي أكثر الطرق بُخسا، ومن بين هؤلاء: عظماء ومنتخبون وقادة ونخب علمية وثقافية حصدهم منجل الموت قبل الوصول لأحبائهم.
يوميا الإهمال يقتلنا، يوميا السرعة تردينا، يوميا قدم المركبات يهلكنا. يوميا نبكي الأقربين إلينا. يوميا حوادث سير بالجملة منها ما يحدث من إهمال السائق نفسه أو إهمال السائق الآخر، منها سببه إهمال الدولة تجاه مواطنيها رغم يقينها بأن عشرات يغادرون مسرح الحياة سنويا على طريق هنا أو هناك. مشاة كانوا أم ركابا أم سائقين، أما أكثرها فمردُّه إلى عناصر دخيلة يعجز الإنسان عن ضبطها بنفسه فلا تضبطها الدولة في دورها: استعمال الهواتف أثناء القيادة، سرعة قاتلة وربما جهل بقواعد السير، وأحيانا السياقة بدون حتى رخصة سير، ولكن النتيجة واحدة، فقدان أحبة في مقتبل العمر.
أما المشهدية التي تستوطن وزارة النقل وما قبلها فالتالية: فرق للمراقبة، فحص فني في خبر كان يبدو أنها لم تكن سوى نوع من (الكبسات) المؤقتة. لا رادارات للمراقبة والضبط، لا دولة تضبط المسرعين. والمشاة حدّث ولا حرج. أجساد تتهاوى من قلة الحواجز التي من المفترض أن تحميها. حتى الناس لم تعد في مأمن حتى عند ما تكون في طريقها من المسجد وقت صلاة الصبح، ياله من مشهد قاتم.
أمس الأول كاد أحد الزملاء الأفاضل أن يغادر الدنيا لمجرد عودته من صلاة الصبح في الجماعة، كما توفي ثلاثة على طريق "صكوك"، وبالأمس القريب قتل عدة أشخاص في سيارة بعد أن دهسهم باص نقل انتهت صلاحيته، حدث ذلك في العاصمة وأي عاصمة؟ وقبل الأمس أيضا كادت أسرة بكاملها أن تموت على إحدى الطرق لولا عناية الله بهم. فقد نجو من حادث سير غريب على طريق الموت التي لمن لا يعرفها تربط بين نواكشوط وأبي تلميت، والتي كان من المفترض أن تحول لطريق سيار (أوتوستراد) لا يوجد مثيله في المنطقة.
وتشير الأرقام السنوية إلى عشرات القتلى ومئات الجرحى، بل إن العام الفائت برمّته حمل معه نسبة مخيفة من حوادث السير كانت كفيلة بوضع حد لحياة الكثير من الأشخاص وإصابة آخرين بتشوهات ولربما إعاقة مدى الحياة، وهو رقم ضخم يضع الحوادث المرورية في المرتبة الأولى من حيث العوامل المودية بحياة المواطنين الأبرياء. أرقام كفيلة بدفع الأمهات والآباء لرفع أكفهم والتضرع لله تبارك وتعالى كي لا تخطف منهم أبناؤهم على طرق الموت الكثيرة في هذا البلد...
د. محمد الأمين ولد أن، أستاذ وباحث