لا أحد سيكون سعيدا حين تضرب القوات الأمريكية والغرب من بعدها نظاما عربيا أيا كان، لكن –أيضا – لا أحد سيذرف الدمع من مآقيه الحزينة على ضرب النظام السوري الذي استمرأ القتل وعاث في الشام تقتيلا وفسادا وإفسادا، وقد قيل قديما:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى *** عدوَّا له ما من صداقته بد
ليس النظام السوري أول نظام "قومي" يجلب الغزاة لبلده ولن يكون الأخير، بعد أن يحرق الأرض بما فيها وما عليها، فمن قبله القذافي الذي قتل 60 ألف شهيد من شعبه، وفعلها صدام رحمه الله وإن بدرجة أخف وأقل ضررا.
لم يُر في تاريخ أمتنا تيارا أشد فتكا بالإسلام والمسلمين من التيار القومي، لقد جنت القومية العربية (أو العبرية على الأصح) على الأمة، وجلبت لها من العار والفضيحة ما لو قسم على أهل الأرض لوسعهم، بل كانت طعنة في ظهر الإسلام والمسلمين.
قصة الأنظمة القومية مع الدماء قصة عريقة، فما من نظام قومي حكم إلا وسالت في عهده أنهار الدماء وتفرقت في ثرى وطنه أشلاء المؤمنين الذي وقفوا ضد الأنظمة الاستبدادية، الفاشية.
لقد كان حكم جمال عبد الناصر دمويا وعدائيا إلى أبعد الحدود، قتل من الإخوان عددا، وسجن منهم الألوف وهجّر الكثير من أبناء الصحوة الإسلامية، وكان أشد قبضة على الإسلاميين منه على الكيان الصهيوني.
وأحرق النظام القومي "الممانع" في سوريا مدينة حماه سنة 1982، وأباد كل من فيها ولم يكن فيها غير المدنيين العزل الذي يتلقون الرصاص والقذائف بصدورهم العارية.
وفي العراق أعدم صدام حسين الكثير من البشر، لمجرد أنهم خالفوا أوامره، وكانت السجون ملأى بسجناء الرأي وأصحاب الفكر.
أما في ليبيا حيث نظام الغباء والجهل والضلال، فقد قتل القذافي في ثورة ليبيا وحدها 50 ألف شهيد وخلف مئات الآلاف من الجرحى والمشردين، والمطاردين.
وفي سوريا يشرف الطاغية الابن على متابعة مسلسل القتل الذي بدأه والده المجرم أول مرة، وقد بلغت حصيلة الشهداء لحد الساعة أكثر من 100 ألف شهيد، وما زالت في ازدياد.
لقد سكت الناس زمنا طويلا على تلك الأنظمة لأنها كنت تتلبس لبوس المقاومة ضد الاحتلال، وترتدي لحاف الممانعة ضد الاستبداد، ثم كانت ثورات الربيع العربي التي أبانت للناس زيف تلك الادعاءات، وكذب تلك الشعارات.
لو جمعنا كل من قتلتهم إسرائيل من الفلسطينيين والعرب ، ثم قسناه على ما ارتكبه نظام واحد من تلك الأنظمة القومية "الممانعة" لما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
لقد كانت إسرائيل تتهكم على السجناء الفلسطينيين بقولها، تعلمون أننا أرحم بكم من نظام بشار الأسد الذي يقتل شعبه ويبيده، ولو أنا أرسلنا أحدكم إلى سوريا لتمنى العودة إلينا!
وبعد ضرب بشار السفاح الكيميائي على أطفال الغوطة، هزأ الإعلام الصهيوني من هذا المقاوم الممانع الذي يضرب شعبه بالكيميائي ويعجز عن الرد على الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات الاسرائيلية لمواقعه النووية!.
إن الذي يرى وطأة النظام السوري على شعبه، يقصفه بالصواريخ والقذائف والكيمائي وما جادت به أيدي الإيرانيين والروس والصين، ثم يجبن عن الرد على استهزاءات الكيان الصهيوني المتتالية يتذكر قصة الحجاج ابن يوسف الثقفي مع غزالة.
فقد ذكر أهل التاريخ أن سيدة تدعى "غزالة" كانت تقود الخوارج في معاركهم مع الحجاج، فأقسمت ذات يوم أنها ستصلي ركعتين في مسجد الكوفة، وبراً بقسمها هاجمت الكوفة ثم دخلتها، فهرب الحجاج منها وتحصن في قصر الإمارة، فدخلت غزالة مسجد الكوفة فصلت فيه ركعتين وبرت بقسمها.
فاستهجن الناس جبن الحجاج وخوفه من ملاقاة امرأة، فقال شاعر الخوارج: أسد علي وفي الحروب نعامة *** فتخاء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى *** أم كان قلبك في جناحي طائر
لم يقدم القوميون لأوطانهم سوى الخراب، ولم يقدموا للأمة غير العنتريات التافهة:
سقوا فلسطين أحلاماً ملونــــــة *** وأطعموها سخيف القول والخطبا عاشوا على هامش التاريخ ما انتفضوا *** للأرض منهوبة والعرض مغتصبا وخلفوا القدس فوق الوحل عارية *** تبيح عزة نهديها لمن رغبـــــــا
إن من عجائب الزمن أن يٌدعم المشروع القومي العربي في أيامنا هذه من قبل إيران وروسيا والصين، وأن توجه الصواريخ تجاه المواطنين العزل بدل العدو الأوحد (إسرائيل)، وتتوسل سوريا الغرب أن لا يضرب نظامها فهي "تحارب الإرهاب"!
الضربة المتوقعة للنظام السوري - إن حدثت- فهي ليست لعيون الثوار المجاهدين، و ما كانت أمريكا يوما تهتم لمطالب الشعوب المنتفضة تبتغي الحرية والعدالة والعيش الكريم، بل هي ضربة استباقية تمنع وصول السلاح الكيماوي لأعداء اسرائيل حقيقة لا مجازا، والذين يقتربون من حسم المعركة لصالحهم.
لم تتحرك أمريكا ولا الدول الغربية ولا منظمات حقوق الإنسان لصالح الإنسان المضطهد والمهان في سوريا، ولو كانت تهتم لكرامة الإنسان لحركتها مشاهد القتل والدمار اليومي القادمة من أرض الشام، ولحركها العدد الهائل من الشهداء (100 ألف شهيد).
لا نحن سنساند أمريكا في ضربتها المحتملة، ولا نحن سنساند النظام السوري أو نشفق عليه... ولا نملك إلا نردد اللهم اهلك الظالمين بالظالمين.
سينتصر الشعب السوري الأبي على جلاده، وسيستنشق نسيم الحرية والكرامة بعد عقود من الاضطهاد والخذلان، وسيذهب النظام السوري القاتل وكل الأنظمة القومية الفاشية إلى مزابل التاريخ... وساء سبيلا.