كثيرة هي الضربات الموجعة التي تلقتها المعارضة الموريتانية منذ انقلاب 2005 وحتى اليوم، ولكن يبقى من أخطر تلك الضربات ما كان نتيجة لنيران صديقة. ويبقى من أخطر النيران الصديقة ما كان بفعل ثلاثة رصاصات صديقة: كانت أولاها من حزب التحالف الشعبي التقدمي،
أما الثانية فقد أطلقها حزب تكتل القوى الديمقراطية، في حين أن الثالثة يوشك أن يطلقها حزب "تواصل"، إن لم يكن قد أطلقها بالفعل.
ويبقى القاسم المشترك بين الرصاصات الصديقة هو أن كل واحدة من تلك الرصاصات الثلاث قد تم إطلاقها في لحظة حرجة من تاريخ المسار الديمقراطي للبلد، أي في لحظة كان يمكن للمعارضة أن تحقق فيها مكاسب كبيرة لو لم تطلق عليها، وفي تلك اللحظة بالذات، رصاصة غادرة، ممن لم يكن يتوقع منه أن يطلق تلك الرصاصة الغادرة.
والغريب في الأمر أن من يتتبع عملية إطلاق تلك الرصاصات الصديقة، خاصة من حيث توقيت إطلاقها، ومن حيث تبادل الأدوار في إطلاقها، لابد وأن تذهب به الوساوس والشكوك بعيدا، وربما تصل به تلك الوساوس والشكوك إلى أن يتخيل بأن هناك اتفاقا غير معلن بين أهم أحزاب المعارضة، ويقضي ذلك الاتفاق بأن تتولى تلك الأحزاب ـ وبتناوب عجيب ـ اغتيال كل الفرص النادرة التي قد تتاح للمعارضة من وقت لآخر.
وبالطبع فإن كل عملية إطلاق رصاصة صديقة لابد وأن يسبقها إطلاق الكثير من الحجج الخداعة لتبرير عملية إطلاق تلك الرصاصة.
وإذا ما عدنا إلى الرصاصة الأولى، والتي أطلقها حزب التحالف الشعبي التقدمي خلال الشوط الثاني من رئاسيات 2007 فسنجد بأن حزب التحالف قد حاول أن يبرر إطلاق تلك الرصاصة الغادرة بحجة باطلة مفادها أن مرشح المعارضة قد تعامل مع رئيس حزب التحالف بجفاء وبغطرسة لا تليق، على العكس من المرشح المنافس الذي تعامل هو وأنصاره مع رئيس التحالف تعاملا لائقا ولبقا، اضطر من بعده رئيس التحالف إلى أن يدعم مرشح السلطة في الشوط الثاني من الانتخابات، مطلقا بذلك الدعم واحدة من أخطر الرصاصات الصديقة التي أطلقت على المعارضة الموريتانية في كل تاريخها.
والخطأ هنا هو أن التحالف قد ارتكب حينها غلطة كبرى، وذلك لأنه لم يكن من السليم أصلا أن يكون هناك من خيار بين التصويت لأحمد (مرشح المعارضة) وسيدي (مرشح السلطة المنقلب عليها)، وبالتالي فلم يكن من الوارد أصلا أن تكون هناك مقارنة بين سلوك المرشحَيَن، ولا أن يفاضل بينهما، ولا أن يتم التوقف عند غطرسة هذا، أو عند لين ذاك.
وبعد ذلك، وبأقل من عام ونصف، تولى حزب التكتل إطلاق ثاني رصاصة على المعارضة، وذلك عندما اعترف الحزب وزعيمه بانقلاب السادس من أغسطس.
وكان خطأ التكتل حينها هو أنه قد قبل أصلا بأن يبحث عن حجج ليبرر بها اعترافه بانقلاب عسكري على رئيس منتخب، كان الجميع قد اعترف بفوزه.
ولا شك أن التكتل قد ارتكب غلطة كبرى، باعترافه بانقلاب السادس من أغسطس، وذلك لأنه لم يكن من السليم أصلا أن يكون هناك أي احتمال، حتى ولو كان ضئيلا، لأن يعترف زعيم معارضة دستورية بانقلاب عسكري متعجرف.
واليوم يبدو أن الدور قد جاء على حزب تواصل، والذي يحاول أيضا أن يبرر عملية إطلاقه لرصاصة صديقة بمبررات ما كان لها أن تناقش أصلا.
يحاول التواصليون تبرير مشاركتهم في الانتخابات القادمة بحجج قد تبدو مقنعة في ظاهرها، وإن كانت ضعيفة وواهية في جوهرها. فأن يعرض حزب تواصل على هيئاته الحزبية الخيار بين المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات القادمة، وأن يترك الحزب القرار لتلك الهيئات فذلك من الأمور التي قد تبدو في ظاهرها سليمة، وإن كانت في حقيقتها ليست كذلك.
فلم يكن من السليم أصلا أن يعرض حزب تواصل على هيئاته الحزبية حق الاختيار بين مقاطعة الانتخابات أو المشاركة فيها بشكل منفرد، وذلك لأن الحزب كان قد وقع مع أحزاب المنسقية ميثاق شرف كان على تواصل بموجبه أن يناقش مسألة المشاركة أو المقاطعة مع أحزاب المنسقية من قبل أن يناقشها داخل هيئاته الحزبية. فمناقشة المشاركة أو المقاطعة داخل هيئات الحزب، قد أعطت رسالة واضحة للسلطة وللمعارضة على حد سواء، مفادها أن تواصل يمكن أن يتخذ قرارا منفردا عن المنسقية بالمشاركة أو بالمقاطعة، وهنا تكمن الخطورة. فالمشاركة المنفردة أو المقاطعة المنفردة لن تكون إلا بمثابة رصاصة صديقة يتم إطلاقها في مثل هذه الوقت الحرج على المعارضة الموريتانية.
إن ميثاق الشرف كان يقتضي أن يتم نقاش المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات داخل المنسقية، وذلك للخروج بقرار جماعي بالمشاركة أو بالمقاطعة. أما النقاشات الحزبية المنفردة، وكذلك اللقاءات المنفردة بالسلطة فهي ليست إلا مجرد رصاصات صديقة يتم إطلاقها على المعارضة الموريتانية في لحظة حرج من تاريخها الحرج كله.
حفظ الله موريتانيا..