أولا: احتمال تعرض القومية لضربة في سوريا :
يتردد في هذه الأيام حديث عن توجيه أمريكا لضربة إلى أسد سوريا، وقد ثار غبار المقالات المحلية منددة بتلك الضربة المشئومة في نظر كتابها الذين لم يسألوا أنفسهم عن الضربة الكيميائية التي وجه أسدهم إلى شعبه منذ أيام حارما بها أطفال في عمر الزهور من حقهم الطبيعي في الهواء النقي..
وأبرز المنددين بهذه الضربة هم القوميون الذين أزعجونا على مدى عقود بفكرة قوميتهم التافهة التي تجلى غبائها في تجاوزها للدين وإعراضها عن سبيله، وتمخضها عن حكام مجانين حكمونا كعملاء وأعوان لأعدائنا علينا بشهادة الواقع. فلم تشهد البلدان العربية في زمن القومية المنحوس سوى التنظير والثرثرة الكثيرة دون تحقيق شيء، فتجاوزت مصرَ دول كانت في الخمسينات متخلفة مقارنة بها.
فماذا يريد أبناء القوميين والمعمرين منهم منا اليوم بعد فشلهم الفاضح الذي لم يعد ممكنا ستره؟ وكيف يستمرون في الإيمان بكذبة مقيتة أرهقت الدول العربية الإسلامية وأبعدتها عن طريق عزتها الحقيقي (الإسلام).
ألم يلاحظ أولئك الإخوة الأعداء أن قوميتهم العفنة تجلت في مظاهر كانت شرا على الأمة بدل أن تنقذها من التخلف والضعف، من أبرزها:
الحكام الثقلاء الذين جثموا على صدورنا بإسم الزعامة الفارغة، وقوة البطش البوليسية، مما ولد عندنا هذه الدكتاتوريات المقيتة التي لا زلنا نعاني منها..
ومنها أيضا: توجيه طاقة البلدان ومواردها إلى حماية كراسي أولئك الزعماء المتسلطين الذين باع بعضهم قضية القومية الأساسية (فلسطين) في سبيل استمراره في سد أنفاسه شعبه بكرسيه..
ومنها محاربة كل مبدع ينافس الرئيس الغير منتج في النهوض بالبلد، ومحاربة كل صوت يعلو بإدخال الدين في السياسة، ومعلوم أن الدين سياسة حياة، فهو يتدخل في جميع مجالاتها (تأمل في فقه العبادة والإمامة والبيوع والنكاح وغيرها).. فكل من يفتح فمه في الدين مدخلا إياه في السياسة يتم اضطهاده بحجة تهديده لعرش الزعيم، وتاريخ القوميين يشهد بذلك الإضطهاد، ولا يزالون يبغضون كل من يخالفهم في فكرتهم القومية السخيفة التي لم ولن تغني المسلمين من جوع..
ومنها أيضا: اعتمادهم للنظم التعليمية الغربية التي لا تراعي أسس حياة المسلمين القائمة على ترسيخ الثقافة الإسلامية الصحيحة التي تساعد على التطور الحقيقي للبلدان، وتشجيعهم على البدع بكل أنواعها من أجل توليد الفرقة بين المسلمين حتى صار الصوفي يكره السلفي والسلفي يكره أبو الصوفي، والمشكل موجود فقط بين الأفكار أما حامليها فكل واحد منهم حر في أن يلقي بنفسه في الجنة أو النار، ومن القبيح عصمة الأفكار من البحث والحوار، وحمايتها من التصحيح بالتعصب البغيض المبني على عبادتها وكره كل من يخالفها، فحتى الأفكار الكفرية تناقش برحابة صدر وموعظة حسنة فكيف بالأفكار البدعية التي هي أخطاء لإخوة في الدين..
ومنها أيضا: إحلال الفنون مكان العلوم الشرعية، فمثلا يقضي الكاتب الروائي المهووس طفولته في قراءة الروايات السخيفة مقارنة بكتاب ربه وسير الصالحين، ويذهب عمره في وصف الجلوس في المرحاض والعلاقة المخفية بين الزوج وزوجته، والمذنب وذنبه، وكلها أمور تستحي الحياة من وصفها، فيبدع هو ويستحق الجوائز الغربية عندما يرفع أستارها!
كما يموت الشاعر وهو يهذي بالقصائد ويتتبعها بجنون بالعظمة، وقد يخيل إليك وأنت تستمع إلى إلقاء أحدهم لقصيدة شعرية خيالية يتحدث فيها عن عالم الوهمي الآخر الذي يفر إليه من صعوبات ونكسات الحياة أنه سينفجر في وجهك مثل البالون من شدة التأثر وتصديق الهذيان الذي يهذي به، والأسوأ في الشعر بصفة خاصة أنه صناعة فبإمكان أي شخص (مثلا كل متخرج من محظرة) صناعته، ولذلك لا يمكن إحصاء عدد الشعراء لكن يمكن عد الموهوبين منهم على أصابع اليدين، فالموهبة التي تميز المبدع من أولئك الكذبة تظل نادرة كسحاب الصيف.
كذلك يفنى الرسام وهو يرسم على الأوراق والجدران، ويتعفن المطرب وهو يغني للشيطان، كل ذلك دون أن ينتبه الجميع –إلا من رحم ربي- إلى حقيقة مهمة وهي أنهم ما خلقوا إلا ليعبدوا الله عز وجل، فيضيع العمر الثمين في ما لا ينفع في الآخرة من مواهب تافهة ولهو ولعب، فلا يركز المرء على ما ينفعه في حياته وبعد الممات..
ونتيجة لتلك الشطحات المبعدة عن طريق الدين والعلم النافع برز ما يسمى بالنخبة، وفي الحقيقة هم رويبضة، ولك أن تتأمل في كثير من رجالات السياسة والفنون عموما، فمتى كان قول الشعر وكتابة الرواية والنعيق بالأغاني الماجنة دليلا على الثقافة النافعة؟ ألا يدل ذلك على وجود ثقافة بديلة دخيلة بسبب ابتعادنا المخطط له عن الدين حلت محل الثقافة النافعة القادرة على إعلاء شأننا والمرتكزة على فهمننا الصحيح للدين..
وقد شاهدت الممثلة الهام شاهين تقول إن الممثلين هم النخبة ومن واجبهم الدفاع عن الشعب دفاعا عن ثقافة الفجور التي يهددها الإسلاميون، فمتى كان التمثيل دليلا على الثقافة في بلدان المسلمين؟ وكيف أصبح هذا النوع من المثقفين حملة لواء الثقافة في مجتمعاتنا؟ فتعسا للقومية الأنانية العنصرية الجبانة التي أضاعت من عمر أمتنا عقودا كان بإمكانها أن تضعنا في مصاف الأمم المتقدمة، ومن يتأمل في واقعنا يدرك أنه لولا تلك القومية وزعاماتها الفارغة لكانت مصر مثلا من أقوى دول العالم اليوم لتوفرها على البنى التحتية والحضارة اللازمة لذلك، والتي لم يكن ينقصها سوى الحرية في اختيار ما ينفعها وهو سياسة الدولة بالدين، ومثل ذلك العراق وسوريا والمغرب والجزائر وغيرها من البلدان العربية العريقة الواقفة على قدميها لا المنبطحة مثل بلدنا الذي يأبى أبناؤه النهوض به..
أما أمريكا فهي عدوة الإسلام الكبرى، ومن المؤسف أن يوضع الشعب السوري بين سندانها ومطرقة بشار، لكن ما يجب ملاحظته هو أن روسيا تابعة لها منذ سقوط الإتحاد السوفيتي وليست منافسا معاندا لها كما يروجون له اليوم، بل يلعبون بنا حسب مصالحهم بالكذب والنفاق الذي يدل على ركاكة حضارتهم الغربية التي تبهر الكثير من العميان..
أما الفيتو فيدلنا على أن العالم مستعمر من طرف الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ترد به ما شاءت من قرارات حميدة لا توافق أنانيتها، وتهمش به إرادة المجتمع الدولي، فالحكم لا يزال – كعادة البشر الأبدية- للأقوى رغم كذب ونفاق الديمقراطية، ولو كان الفيتو عادلا لما استخدم لحماية ظلم النظام السوري والإسرائيلي.. وفي كل الأحوال فإنه سواء ضربت سوريا أو لم تضرب فإننا م
طمئنون إلى أن الله تعالى هو الذي يقدر، ويخطط لأوليائه وهو ناصرهم (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، لكن علينا أن نغير أنفسنا ونعود إلى ديننا الخالي من شوائب البدعة التي تشوهه وتبث الوهن في حامليه والمدافعين عنه..
ثانيا: توجيه الضربات لكل من ينتقد بلاد العجائب:
كتب احد الكتاب السعوديين مقالا حول كسل السودانيين ضمنه جملة واحدة حول كسل الموريتانيين وارتباط ذلك بالشعر عندهم.. فقرأت بعض الردود العنيفة عليه كأننا نمتلئ عقدا من أنفسنا، ومعروف أن النقد إما أن يكون باطلا، فهذا لا يستحق حتى الرد عليه لأن الواقع يدحضه، وإما أن يكون حقا فيجب على الأقل الحياء من التعرض له، أو التعرض له بأدب، ولا اعتقد أن من ينتقدنا من أهل الباطل لكثرة تقصيرنا، والطريق الأول إلى حل مشاكلنا هو الإعتراف بها، وأول ما يبدأ به الأطباء النفسانيون لعلاج مرضاهم هو إقناعهم بأنهم مرضى، فلم لا نعترف بأن عاصمتنا هي أقبح عاصمة في العالم، وأن شعبنا يقيم كله فيها متناحرا على خيراتها، وأن أكل المال الحرام متفش فيها، وأننا نعتقد أن صاحب الشخصية الهوجاء التبتابة هو السوي القادر على الإنجاز فيها، وأن الصحافة والكتابة والسياسة والطب والرياضة وغيرها وسائل لكنز المزيد من الأموال المنهوبة والحظوة عند المزيد من النساء الغبيات! لم لا نعمل بجد حتى نستحق الثناء المريح بدل النقد القبيح؟
ومن قبل عندما تكلم أحد الدعاة عن شنقيط ثارت ثائرة الشناقطة، وقد تكون النسبة الكبرى من كلام الرجل حقا! فلم لا ننظر في واقعنا فتغيره، ونتقبل النقد إن كنا نستحقه في سبيل التغيير المطلوب؟
إن أي سعودي أو إسرائيلي يكتب اليوم مقالا بعنوان "انواكشوط عاصمة القمامة"، له علينا حق التفكير مليا قبل الرد عليه بسخط..
ثالثا: ضربات إحدى الكاتبات المحليات الموجهة إلى الصحابي الجليل أبي هريرة:
قرأت مقالها المندفع الذي ذكرني بكتابات زمن الطيش الجميل، واستغربت من أستاذة جامعية تكتب بحماقة ما تعتذر عنه بعد سويعات بصراحة! وبمناسبة جنونها بالمرأة سأكون مجنونا بالرجل وأكلمها بصراحة قائلا لها: "لن تعدو المرأة قدرها"، المرأة ستظل امرأة، والرجل سيظل رجلا، ولن يتميز طرف على طرف إلا بالتقوى، وكل الدعايات الغربية التي يبدو أن بعضها يبغض حتى في بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدل على أن من ينادي بحقوق المرأة أو حقوق الرجل على حق في إساءة ظنه بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة..
إن الله تعالى خلق الرجل والمرأة من أجل أن يعبداه، وجعلهما مكملين لبعضهما البعض، وجعل كلا منهما قادرا على ظلم صاحبه إن قدر له ذلك وأراده، لذا فكل كلام عن حقوق طرف دون طرف هو كلام ناقص وغبي، وإذا كان الغرب يشجع المرأة على السفور والخروج لينال منها فلا ينبغي لنا نحن المسلمين أن نتخذ من تلك الفكرة دينا لنا، ونستبدلها بخير منها وهو ركون المرأة إلى قصرها الذي تربي فيه أبنائها، ورعايتها لحقوق زوجها التي وردت في فضلها الأحاديث الصحيحة، وتلك حقوق ربها عليها، وربها أحق بالطاعة من شياطين الغرب الماجنين..
وحجة الغرب هو أن المرأة مظلومة فما الذي ظلمها هل هو ضعفها الطبيعي المرغوب أم بساطتها التي تجعلها سيدة رجلها وأبنائها، هل ظلمها طبعها الذي جبلت عليه من حياء وركون إلى الخدور وميل إلى رعاية بيتها بنفسها، ألم يسأل الغرب نفسه ما الذي جنته المرأة على نفسها من تشبهها بالوحوش الرجال؟ ألم تتحول المرأة الغربية إلى رجل يخالط الرجال يفعل كل ما يفعلونه ما عدى القدرة على أن تكون رجلا حقيقيا مما عرضها للكثير من المخاطر التي لن تنجو منها إلا بعودتها إلى أنوثتها المغتصبة..
فإذا أرادت المرأة أن تقاتل في الشوارع والحلبات بدلا من الرجل، وتعمل حتى منتصف الليل مثله لتعود إلى بيتها متحدية شياطين الظلام المتربصة بها في منعطفات الطرق، أو تسكن في شقة وحدها في نيويورك متحدية الظلام والمجتمع، أو أن تتجبر مثل الشيطان الذي يسمى الرجل وتحكم العالم من حولها بقوة الحديد المشوهة لأنوثتها، وتكره أو تتحدى الذكور وجميع المخلوقات فلها أن تفعل ذلك إن كانت قادرة عليه ومستعدة لدفع ثمنه الباهظ من راحتها وحياتها.. وجمالها..
أما إساءة الكاتبة إلى أبي هريرة (ولو كانت ببراءة) فلا تنبغي، فالطعن في رواة الأحاديث طعن في الدين، وتلك طريقة الرافضة الأنجاس الذين طعنوا في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ليتوصلوا بذلك إلى طرح معظم الدين..
وأعجب من ذلك أن الكاتبة لا تستطيع توجيه كلمة نقد واحدة لشيخها أو وليها المتبوع - إن كان لها شيخ - رغم أنه قد يكون أقرب إلى الخطأ والبدعة، وأبو هريرة أعظم من كل الأولياء الذين ولدوا بعد عهد الصحابة، وأفضل منهم جميعا، وأعظم مكانة وخدمة للإسلام والمسلمين، وهو قد رأى الرسول في اليقظة حقا لا كذبا، وأخذ عنه مشافهة لا توهما..
وكيف تعتذر الكاتبة عن مقالها بعد علمها أن الفقيه الذي انتقدت هو ابن عم لها ولا تعتذر لأبي هريرة وهو شيخ كل شيوخها وأولاد عمها؟
أما مقالها الذي انتقدت فيه الإذاعة فسبب نقدها اللاذع للإذاعة المسكينة هو جملة واحدة وردت في حديث صحيح رواه أبو هريرة الذي لم يسلم بدوره من نقدها! والفقيه الذي انتقدت انتقدته بسبب تلك الجملة وحدها! والحديث هو "لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة المرأة والفرس والدار".. ولو تأمل الفقيه قبل ذكر هذا الحديث الذي يطعن من خلاله الكثيرون في احترام الإسلام للمرأة، لما أغضب الكاتبة وأخرج منها هذا النقد الفائض الذي لم يسلم منه أبو هريرة، فالمعروف أن الإسلام لا يعترف بشيء اسمه العدوى ولا الطيرة ولا التشاؤم لوجود ما يسمى بالقدر، فكل ما يصيب المسلم مكتوب ومقدر عليه، وقد بوب أحد الأئمة في كتابه بباب "لا عدوى ولا طيرة ولا شؤم في الإسلام"، وانطلاقا من ذلك اختلفت تفاسير هذا الحديث، فبعضها لا يحمل الحديث على ظاهره، وبعضها وهو الأكثر على أن شؤم المرأة ليس مقصودا لذاته فالأحاديث التي وردت بصيغة التعليق أكثر من التي وردت بصيغة الجزم، والبخاري عندما ذكر الحديث الذي ورد بصيغة الجزم أتبعه بالحديث الذي ورد بصيغة التعليق ليدل على أنه اختار الأخيرة، وصيغة التعليق هي "لو كان الشؤم في شيء لكان في".. فكان على الفقيه أن يبين ذلك ليريح الكاتبة من عناء الإنتصار الأعمى لبنت عمها ويريحنا من الرد عليها..
سيد محمد ولد أحمد [email protected]