كثيرة هي الحجج الوجيهة التي يمكن لأحزاب المعارضة الداعية لمقاطعة الانتخابات أن تحتج بها لمقاطعة الانتخابات القادمة، وكثيرة أيضا هي الحجج الوجيهة التي يمكن للأحزاب الداعية للمشاركة أن تقدمها لتبرير مشاركتها في الانتخابات القادمة.
تلك حقيقة علينا أن نتفق عليها أولا، و"نا" هنا تعني كل من كان في قلبه مثقال ذرة من معارضة للنظام القائم.
هناك أيضا حقيقة ثانية علينا أن نتفق عليها، وهذه الحقيقة تقول : هناك موقفان متناقضان تماما، يمكن للمنسقية أن تختار بينهما، وستستحق المنسقية التصفيق من كل من كان في قلبه مثقال ذرة من معارضة على أي الموقفين اختارت: المشاركة الجماعية في الانتخابات القادمة، أو المقاطعة الجماعية للانتخابات القادمة. فإن قاطعت أحزاب المنسقية بشكل جماعي فسنصفق لها، حتى وإن كنا سنطلب منها أن تقوم بما يلزم، لكي تكون للمقاطعة أثرها السياسي الإيجابي، وإن شاركت المعارضة وبشكل جماعي فإننا أيضا سنصفق لها، وبنفس الحماس، وسنطلب منها أيضا أن تقوم بما يجب القيام به لكي تكون لمشاركتها نتائج إيجابية.
وهناك حقيقة ثالثة علينا أن نشير إليها أيضا، وهذه الحقيقة تقول : إن قاطعت بعض أحزاب المنسقية الانتخابات القادمة، وشارك البعض الآخر، فإن الكل حينها سيستحق التوبيخ، سواء الأحزاب التي شاركت، أو تلك التي قاطعت.
إن الكل حينها سيستحق التوبيخ، ولكن ومن قبل أن نضطر إلى نوبخ الكل، علينا أولا أن نقف وبصرامة في وجه أي حزب من أحزاب المعارضة قد يقوم بأي عمل أو يتخذ أي قرار قد يتسبب في تقكك المنسقية في مثل هذا الوقت الحرج.
إن الخوف من تفكك المنسقية هو الذي جعلني أقسو على حزب "تواصل" في مقالي السابق الذي كتبته بعدما أحسست بأن موقف هذا الحزب من الانتخابات القادمة ربما سيتسبب في التعجيل بانشطار منسقية المعارضة وإلى تفككها.
ولأني كنت قد التقيت بالرئيس جميل منصور بعد نشر المقال المذكور، وذلك بدعوة كريمة منه، ولأنه قد أوضح لي بعض الأمور المتعلقة بالحزب وبموقفه من الانتخابات القادمة، فكان لابد من تعقيب.
أولا: لابد لي من أن أتقدم بخالص الشكر للرئيس جميل منصور على دعوته السريعة، وعلى حرصه الواضح لأن يشرح مواقف حزبه لكل من يهتم بتلك المواقف.
ثانيا: لقد قدم لي الرئيس جميل منصور الكثير من الحجج، بعضها كان مقنعا، والبعض الآخر لم يكن كذلك، وأتمنى أن أجد فرصة مناسبة للحديث عن المقنع وعن غير المقنع في الحجج التي يدافع بها التواصليون عن موقفهم الحالي من الانتخابات.
ثالثا : حقيقة لقد لفت الرئيس جميل منصور انتباهي إلى حجة قوية للمشاركة كانت غائبة عني تماما. ومع أن الرئيس جميل قد اكتفى بأن يشير إلى تلك الحجة، إلا أني مع ذلك قد ارتأيت ـ لأهميتها ـ أن أتحدث عنها من خلال هذا المقال، خاصة وأني وفي نفس اليوم قد وجدت من يحدثني عن الحجة ذاتها، وأقصد هنا الناشط الشبابي: عبد الفتاح ولد أحبيب.
فلنتصور أن منسقية المعارضة قاطعت الانتخابات القادمة، تلك الانتخابات التي ستشارك فيها أحزاب المعاهدة، والتي من ضمنها حزب التحالف الذي يقوده الرئيس مسعود، وحزب الوئام الذي يقوده الرئيس بيجل، وهي نفس الانتخابات التي ستشارك فيها أيضا حركة "إيرا" إما بعد ترخيص حزبها، أو تحت لافتة حزب آخر.
إن الانتخابات القادمة ستشهد مشاركة معتبرة من شريحة لحراطين ( ويؤسفني أن أتحدث هكذا)، كما أن المجالس المنبثقة عنها ستعرف تمثيلا أكثر من هذه الشريحة، حتى وإن كان ذلك التمثيل سيظل دون المستوى المطلوب. وعلينا أن نتذكر هنا الدعوة التي وجهها "ميثاق حقوق لحراطين"، والتي طالب من خلالها من الأحزاب السياسية أن تمنح نسبا مرتفعة من ترشيحاتها لشريحة لحراطين. ولاشك أن تلك الدعوة ستجد من يصغي إليها، إما لاعتقاده بأن الشريحة تستحق نسبة أكبر، وذلك اعتقاد سليم، وإما لأنه يبحث عن ناخبين من تلك الشريحة.
كما أن الانتخابات القادمة لن يقاطعها الزنوج، حتى وإن قاطعتها المعارضة، مما يعني أيضا بأن نسبة الزنوج في البلديات والبرلمان القادم ستكون أعلى مما كانت عليه في المجالس السابقة.
إن مقاطعة المنسقية للانتخابات القادمة، يعني من بين أمور أخرى، بأن المنسقية لن تعترف إطلاقا بالمجالس البلدية والبرلمانية المنبثقة عن تلك الانتخابات، وهو ما سيترتب عنه بالضرورة أن تطالب المنسقية بحل تلك المجالس، وساعتها سيشعر لحراطين والزنوج بأن المنسقية تريد حل تلك المجالس التي يشكل فيها لحراطين والزنوج ـ ولأول مرة ـ نسبا معتبرة.
وبالطبع فأنتم تعرفون ما سيحصل بعد ذلك، فلابد أن الكثير من لحراطين والزنوج سيتهمون حينها المعارضة بأنها عنصرية، ولابد أن السلطة القائمة ستعمل على تقوية ذلك الاتهام، وإلى تعزيزه.
وفي المحصلة فإن منسقية المعارضة ستجد نفسها أمام واحد من خيارين:
الخيار الأول: أن تعترف المنسقية بتلك المجالس التي تحصلت من انتخابات لم تشارك فيها، مما سيجعل من مقاطعة الانتخابات كارثة على المعارضة، وبالمناسبة فإن عدم مشاركة المعارضة في الانتخابات البلدية و التشريعية القادمة سيحول بينها مع المشاركة في الانتخابات الرئاسية، حتى وإن أرادت ذلك مستقبلا، وذلك لأن الترشح للرئاسيات لابد له من تزكية عدد من المستشارين في المجالس البلدية، ولن يجد حينها من يترشح من المعارضين للرئاسيات من سيزكيه، بعد أن خلت تلك المجالس من المعارضين، وبعد أن أصبح ترحال المنتخَب من حزب إلى حزب لا يجوز إطلاقا.
الخيار الثاني: أن تطالب المعارضة بحل تلك المجالس، وهو ما سيجعلها تتهم بالعنصرية من طرف الكثير من الموريتانيين، وبالتالي فستتحول المعارضة إلى معارضة عنصرية وذلك رغم أن العنصرية ظلت تهمة خاصة بالأنظمة الحاكمة، ولم تكن في أي يوم من الأيام من التهم التي يمكن أن نتهم بها المعارضة.
وحينها ستجد المعارضة، وفي غفلة من أمرها ، بأنها قد ألصِقت بها تهمة جديدة من التهم التي كانت حكرا على الأنظمة الحاكمة، أي تهمة العنصرية، وذلك لتضاف إلى تهمة الفساد، وإلى تهم أخرى انتقلت بقدرة قادر من السلطة الحاكمة إلى المعارضة.
حفظ الله موريتانيا..