رد على حلقة من برنامج مقاربات التلفزيوني / سيد محمد ولد أحمد

 سيد محمد ولد احمدمن المؤسف أن بعض الإخوة عندما يختلف معه غيره يتجاوز حدوده في الرد عليه، وبدل أن يركز عقله وحدة لسانه على دحض ذلك الرأي الخاطئ وإظهار نقائصه فإنه يندفع في سب متبنيه والتدخل في دقائق حياته الخاصة التي لا تعنيه في شيء، والفرق بين الرأي وحامله كبير،

وعلى كل من يدعى الثقافة ألا يقع في فخ الخلط بينهما، فالحامل للرأي (أو الفكر) حر في أن يحمل ما يشاء (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) لكن الرأي ليس حرا في أن يكون خاطئا أو باطلا بل من دواعي الإصلاح والنصح أن تتم مناقشته ورده بالحجج والبراهين الواضحة، بالتي هي أحسن كما أمرنا القرآن الكريم..

لكننا لاحظنا على مر العصور أن الشيطان يحصن الآراء الباطلة – خصوصا الدينية منها – بدفاعات وهمية تسهم في حفظها واستمرار إعتقاد المغترين بها وذلك لإبعادهم عن طريق الحق، من أهم تلك الدفاعات:

بث العداوة بين المتخالفين، فبدل أن يجلسوا على طاولة واحدة ويناقشوا تلك الآراء التي لا تضرب أحدا ولا تلعنه ليمحصوها ويستخرجوا منها الحق ليستفيدوا منه وذلك أفضل من السب والنفور من المخالفين، تجدهم يضيعون الوقت وفرص الإهتداء إلى الصواب بنبذ المخالف الذي هو بين احتمالين: إما أن يكون على حق فيجب الإستفادة منه، أو يكون على باطل فيستفيد هو من غيره..

ولا ينبغي اعتماد أي فكرة قبل التأكد منها والإقتناع التام بها، لا ينبغي إتباع الآباء والآخرين بدون تبصر، ووسائل التأكد من الصواب تكون بالإنفتاح على الآخر بحثا وتمحيصا، مع صدق النية في تقبل الحق إن لم يكن معنا..

وعكس ذلك: الإنزواء في زاوية حادة، والإنغلاق على النفس والرأي الموروث، وبغض الرأي المخالف ومن يحمله. ومن المؤسف أن البعض عندما يختلف معه غيره يطلق لشراسته العنان فتراه يسب ويعير بما يراه منقصة في شخصه الذي لا يعنيه، في حين أن الفكرة التي يختلف معه غيره فيها مستريحة من الإزعاج راضية بذلك الغباء الذي يكفل لها مواصلة إضلاله!

ومثال ذلك النقد المؤذي ما قرأته لأحد الشباب المدافعين عن إحدى الكاتبات اللواتي رددت على مقال لها أنا وآخرين معي، فوصف ذلك الشاب كل من انتقد مقالها ب "الأفاك"، وهذه إساءة إلى الأشخاص بدلا من أفكارهم التي قد تكون هي المنحرفة، وما الأشخاص إلا وعاء لتلك الأفكار لن ينفع تكسيره في تغييرها، فسب الأشخاص ليس هو المهم بل المهم هو إعلان الحرب على الأفكار الشاذة بالمنطق والأدلة في سبيل التوصل إلى الحقيقة الغالية..

وكتب مندفع آخر ردا على ذلك الراد الأفاك فكان رده أكثر شررا، فوصف الكاتبة بأوصاف لا تليق بمؤدب أحرى بمثقف، متدخلا في حياتها الشخصية بوصفه إياها بالعانس التي لن تجد زوجا، كأنه يعلم الغيب..

إن مثل هذا التطاول على الأشخاص بسبب أفكارهم أو اختياراتهم يجب أن يكون بردا وسلاما على من يتعرض له لأنه لا يدل إلا على تخلف منتهجه..

فمن عنده فكرة أصح من فكرتي فليغثني بها مشكورا، أما إن كانت وسائله مقتصرة على سبي وسب أهلي وأهل الفكرة التي أؤمن بها فمرحبا بسبه الذي لا يدل إلا على خبثه وتخلفه..

وما لم نفرق بين الفكرة وحاملها، ونكف عن تقديس أفكارنا وأولياءنا فلن نصل إلى الحق الذي هو بغية الصادقين المضحين في سبيله بالتعصب البغيض..

وفي كل الأحوال لا يستحق الرد البذيء أدنى رد أو اهتمام، وعلى رأي شكسبير: "لا تزد في نفخ النار مع عدوك لأنها قد تحرقك معه"، وكونفوشيوس الذي قال: "لن يضرك السب ولا الذم وإنما يضرك التفكير فيهما"..

إن تعرضك للنقد يحمل اعترافا بقدرك وأهميتك، وإقرارا بأنك قد فعلت شيئا يلفت الأنظار إليك، والمهم أن تكون قد فعلت الصواب لأن الباطل أيضا يلفت إليه الأنظار، وكما قال شوبنهور: "ذوو النفوس الدنيئة يجدون المتعة في البحث عن أخطاء رجل عظيم"..

والنقد الظالم هو اعتراف ضمني بقدرات الآخرين، وبقدر قيمهم وأهميتهم يكون النقد الموجه إليهم، قال الجنرال بلتر: "لطالما ذقت صروفا من الإهانة والإذلال ورُمِيت بأنني كلب عقور وحية رقطاء وثعلب مراوغ، فهل تراني كنت ألقي بالا إلى كل ذلك؟ ولو أنني سمعت اليوم أحدا يسبني لما حولت إليه نظري.لأرى من عساه يكون).

قال كارنيجي: "لقد اكتشفت منذ سنوات أنني وإن عجزت عن إمساك ألسنة الناس من أن يطلقوها في إلا أنه وسعني أن أفعل ما هو خير من هذا وهو أن أتجاهل لوم الناس ونقدهم"..

فلا تهتم بكلام الناس إن كنت تفعل ما أنت على ثقة من صوابه، وفي نفس الوقت تأكد دائما من أنك تفعل الصواب حتى لا يضيع الجهد والعمر هباء..

وبمناسبة الحديث عن الكاتبة الحامية للمرأة من التراث والمستقبل، تفرجت على حلقة تلفزيونية لها ولأحد الأساتذة الجامعيين فلفت انتباهي التباس الرؤية لديهما – وهذا رأيي -، فهما لا يفرقان بين الأساسيات كالفقه الأكبر (العقيدة) والفقه الأصغر (العبادات والمعاملات)، فالعقيدة هي التي لا ينبغي الإختلاف فيها لأنها تتعلق بالقضايا الإيمانية وبالتوحيد الذي عليه مدار كل شيء، وهي أهم من الفقه الآصغر، فمثلا عندما يطالب الأستاذ بالتوحد في مذهب واحد أقول له إن ذلك مطلب جميل وممكن، ولكنه صعب لأن المذاهب الأربعة اجتهدت حسب المتحصل لديها من الأدلة والأفهام، وهي على خير في ذلك، وإن كان مهما أن يختار المسلمون مذهبا واحدا هو الأصح، وذلك ممكن.. فالإنقسام إلى المذاهب الأربعة مثلا لا يضر، فهو لا ينافي العقيدة، فالعقيدة واحدة لا تتجزأ..

لذا يا سيادة الأستاذ الجامعي لا تقل في كلامك جمل مثل: "مالكي وشافعي وسني وشيعي"، ففي هذا خلط بين الفقهين. فالفقه الأكبر هو الذي يسمى المخالفين فيه بأهل البدع، وذلك لمخالفتهم أساسيات العقيدة كتوحيد الله تعالى مثلا، فعندما يأتيك صوفي يرجو من شيخه ما يرجو من ربه ألا يقودك ذلك إلى التفكير في الآية "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" وهي في أصنام المشركين وأصنام هؤلاء!..

كذلك عبادة القبور، ورجاء الأموات، وغير ذلك مما يمكن أن يكون خطيرا على المسلم لتعلقه بالشرك الذي لا يغفر، بعكس الخطأ في العبادات والمعاملات الذي هو مغفور لإجتهاد أصحابه وابتغائهم الصواب..

كذلك شكك الأستاذ في القرون المزكاة، ومن البديهي أن أي عبادة لم يعرفها ذلك الرعيل الأول من المسلمين يجب أن يوضع تحتها خط أحمر كبير لأن التشريع انتهى بموت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الوحيد المتصل بالوحي بربه جل وعلا، والذي يتلقى التشريع (طرق العبادة) عنه سبحانه وتعالى. فإذا جاءتك طريقة صلاة في أي وقت كان لم تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عرفها ذلك الرعيل الأول الذي عرف كل أساسيات الإسلام، وهو أعلم الناس به، ففكر ألف مرة قبل أن تفضلها على الثابت من العبادات، وقل مثل ذلك في الأدعية والصلوات على النبي وكل ما يتعلق بالعبادة التي انتهى تشريعها بموت الرسول صلى الله عليه وسلم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). فالقرون المزكاة يزكيها الحال والواقع والمنطق، وأي طعن فيها هو أقرب من الطعن في الدين لأنه سيسمح لكل مبطل بأن يدس في الدين ما شاء بحجة أن الصحابة مجرد رجال عاديين قد تكون خبرتهم في الدين ناقصة مثله، وهذا مدخل خطير حمت منه جملة "القرون المزكاة"..

كذلك قال الأستاذ في اعتراضه على جملة "ما أنا عليه وأصحابي" التي وردت في الحديث الصحيح الذي يصف الفرقة الناجية، قال: أن الصحابة لم يكونوا متفقين تماما بدليل أنهم اختلفوا بعد مقتل عثمان!

وهذا خلط جديد، فما كان عليه الصحابة المقصود به العقيدة فهي واحدة لا مذهبية فيها وهي التي على أساسها اختلفت الأمة إلى 73 فرقة، أما اختلافهم على عثمان فذلك من السياسة لا الدين!

وقد انتقد الأستاذ أيضا حديث الإفتراق زاعما أن الأمة تكون به أسوأ من اليهود والنصارى الذين اختلفوا عن عدد أقل، وليس ذلك دليلا على السوء بل دليل على سنة الله في خلقه فالناس في امتحان وابتلاء إلى يوم القيامة لذا سيظلون يختلفون ويحكمون عقولهم ويضلون ويهتدون حتى تقوم الساعة، ثم إن المتتبع لطوائف المسلمين لا يستغرب الحديث فالشيعة وحدهم اختلفوا إلى عشرات الطوائف، والصوفية إلى عشرات الطوائف يشهد بذلك الواقع، ثم إن علماء الإسلام خصصوا منذ القدم كتبا مفردة في عد تلك الطوائف – وما أكثرها - مما يدلك على أن نقد صحة الحديث هو المستبعد..

أما الأستاذة فقد انتقدت مقولة "الفرقة الناجية"، وقالت أن كل طرف يدعي أنه هو الفرقة الناجية، وهي محقة لكن على المدعي البينة، فالفرقة الناجية هي الفرقة التي كانت على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بشهادة الحديث، وليس المقصود من الحديث إضفاء الصلاحية على جماعة ما، والدليل على ذلك أن الذين يدعون أنهم هم الفرقة الناجية هم أقرب الناس إلى الإسلام الصافي الخالي من الشرك والبدع، فهم لا يدعون إلا الله، وغيرهم يدعون الأولياء والأئمة، وهم يعبدون الله بالثابت في الصحاح من العبادات، وغيرهم يعبده بما ظهر في القرون المتأخرة من العبادات!، إلى غير ذلك من المقارنات الواضحة..

وقال الأساتذة إن ما يجمعنا مع الشيعة أكثر مما يفرقنا، وهذا خطا فادح لا ينبغي وقوعه ممن يدعي الفهم، فما يفرقنا أكثر بكثير مما يجمعنا، فمثلا معروف في مجال الفقه أن السنة شارحة للقرآن وبالتالي أخذنا العبادات من الأحاديث، والذين رووا لنا الأحاديث هم الصحابة الكرام، فما بالك بمن يكفرهم جميعا ما عدى قلة لا تتجاوز رؤوس الأصابع، هل سيأخذ مروياتهم؟ لذا تجد الشيعة يختلفون معنا اختلافا عظيما في كل شيء: الأذان، الصلاة، الحج... أما العقيدة فمعروف ما هم عليه من انحرافات فيها كالشرك وتقديس للأئمة والطعن في الأنبياء مقارنة بالأئمة، إلى أخر تلك البلاوي التي شاركهم فيها بعض أهالينا...

فدعوة الأستاذ إلى عدم التعصب دعوة محمودة لكن ليس معنى ذلك قبول باطل المبطلين وتقبلهم على سوئهم دون نصح لهم أو الحذر منهم، ومعرفتهم على حقيقتهم..

سيد محمد ولد أحمد [email protected]

4. سبتمبر 2013 - 15:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا