نواكشوط المنكوبة / ديدى ولد الوافي

ديدي ولد الوافيلابد أن المستخدم لشوارع وأزقة  أحياء العاصمة نواكشوط هذه الأيام  سيصاب بالصدمة والذهول جراء المشاهد المقززة لتلك الشوارع والأزقة , حيث أضحى التنقل عبرها مستحيلا , نظرا للمستنقعات الكبيرة التي عمت تقريبا شوارع مختلف الأحياء بما فيها الأحياء الراقية ومناطق تواجد المباني  الحكومية والمؤسسات الرسمية والخاصة.

إنه منظر محزن وبائس, فعاصمة البلاد باتت مستنقعا كبيرا يهدد الساكنة بالأوبئة والأمراض الفتاكة, فحيثما تنقلت تحاصرك البرك النتنة والشوارع المغمورة  بالمياه الآسنة والحفر العميقة, لقد سدت كل المنافذ المؤدية إلى الأسواق والمستشفيات حيث تكثر الزحمة وحيث تباع المواد الغذائية, ضف إلى ذلك  الخسائر التي لحقت بالمركبات والمباني وتشوه الوجه الحضاري للعاصمة   إنه مشهد فظيع  يعبر عن كارثة حقيقية  بكل المقاييس .

وفى خضم هذا الواقع المزري يبدو  واضحا استسلام وعجز الجهات الرسمية  أمام هذه الكارثة, فبعد مضي أكثر من أربعة  أسابيع على هذه النكبة  مازال التدخل خجولا ودون المستوى إذ انحصر جله في بضع صهاريج لشفط المياه, وما يزال  المشهد يزداد تعقيدا مع تزايد التساقطات المطرية, حيث  أحياء بكاملها معزولة  عن بعضها البعض, وبيوت هجرها ذووها,وشوارع مقعرة وحركة مشلولة,  فقراء تحاصرهم البرك النتنة ويوجدون تحت رحمة البعوض , وتتهددهم الأوبئة وينتشر بين أطفالهم أنواع الإسهال المختلفة, إنه إذن واقع  بائس في العاصمة السياسية لبلد لا يتجاوز سكانه أكثر من ثلاثة ملايين نسمة ويتصدر دول العالم في إنتاج أنفس المعادن والثروات البحرية , وبحوزته – حسب رئيس الجمهورية - احتياطات مالية جاهزة في حدود نصف أتريليون أوقية, فأين إذن يكمن الخلل؟

لا شك أن مشكل الصرف الصحي في العاصمة هو مشكل مزمن,  قديم قدم هذه المدينة, إذ غاب عن المؤسسين الأوائل وضع مخطط عمراني عصري يأخذ في عين الاعتبار ضرورة تشييد  كل البني التحتية الأساسية لمدينة عصرية بما فيها شبكة للصرف الصحي, كما غاب عنهم سوء التقدير في التمدد الأفقي للمدينة التي يقطنها  اليوم ثلث سكان البلد, إضافة إلى مئات آلاف الأجانب, فلم يكن أحد يتصور أن نواكشوط  بعد نصف قرن على تأسيسها ستكون مأوى  لأكثر من مليون من البشر.

وليس الانفجار الديمغرافي هو العامل الوحيد الذي غاب عن المؤسسين  , بل ثمة عوامل أخرى لم توضع في عين الاعتبار, مثل التقلبات المناخية التي ندفع ثمنها اليوم وحجم مصادر تزويد المدينة بالمياه, كآفطوط الساحلي الذي فرض واقعا جديدا بات مصدر ضغط على نواكشوط .

غير أن الاختلال الذي رافق النشأة لا يعفى الحكومات اللاحقة  من تحمل مسؤولياتها اتجاه المواطنين, وبالذات الحكومة الحالية, التي وصلت إلى السلطة في فترة أضحى فيها الصرف الصحي  ضرورة أكثر من أي وقت مضى, بسبب التدفق الهائل لمياه آفطوط الساحلي وكذا بفضل توفر الموارد المالية الضرورية لتشييد شبكة صرف صحي عصرية .

لقد أعلنت هذه الحكومة مبكرا عن تسمية وزارة مكلفة بالصرف الصحي لأول مرة في تاريخ البلاد,  وكذا إنشاء مؤسسة عمومية مختصة في الصرف الصحي   بل وأبعد من ذلك أعلنت عن توقيع اتفاق مع جهات صينية لتشييد شبكة للصرف الصحي في العديد من مقاطعات العاصمة وبمبالغ هائلة, إلا أن تلك الاتفاقية مع الأسف ظلت جعجعة بلا طحين  لتظل نواكشوط العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تملك صرفا صحيا.

لعل الارتجالية وغياب التخطيط وسوء المتابعة هي العوامل الأساسية المسببة لما تعيشه اليوم العاصمة من مشاكل, شوهت  وجهها الخارجي وشلت حركة المرور بين مناطقها المختلفة, وتنذر بتفشي أوبئة وأمراض خطيرة بين ساكنتها, بسبب غياب آلية للصرف الصحي, فقد اتضح الآن أن إعلان الحكومة إذاك عن تلك  المشاريع لم يكن مؤسسا على دراسة ولا تخطيط وإنما كان قرارا ارتجاليا مثله  مثل غيره  من المشاريع.

إن الحكومة مطالبة أخلاقيا اليوم أن تكشف للرأي العام الوطني عن مصير تلك الاتفاقية وعن ذلك المشروع الطموح, كما أنها ملزمة  بوضع خطط إستعجالية لمساعدة - حتى لا نقول  إغاثة- المتضررين من الأمطار في العاصمة, وكذا إيجاد آلية تساعد في انسيابية حركة المرور التي أصبحت شبه مستحيلة اليوم.

7. سبتمبر 2013 - 12:22

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا