بعيدا عن الحديث حول الانتخابات والمشاركة والمقاطعة و المطر ومجاري الصرف الصحي والحالة الكارثية التي نعيش رحاها، قررت هذه المرة أن لا أكتب في السياسة وتشعباتها والتيه الجذري الذي يضرب في الصميم الأسس والمفاهيم قبل التفاصيل، قررت هذه المرة أن أشارككم جوانب خاصة تثير اهتمامي من الفن السابع الذي أتابعه وأعشقه ... فقط تابعوا رجاءا !.
تقع هوليوود على رأس القمة على قائمة الإبداع في مجال الفن السابع، وفي هذا السياق أريد أن أشارككم في كشف السحر الحقيقي المستتر الذي يجعل قلوبنا ومشاعرنا شديدة التأثر لقصة فيلم مثل Titanic ، السحر الذي يجعل مشاعرنا تتكسر بين المشاهد وتلتئم محاولة الحفاظ على الزمن في نقطة تجمع فيها شتات اللقطات في ترقب عميق . لكل قصة خام تأثير خفيف ويزداد ذلك التأثير مع تحسينات من قبيل الأسلوب الذي صيغت به أو بقوة أداء من يتقمصها، كل تلك المؤثرات تنتظم في إطار التحسينات التي تدخل على أي قصة بالإضافة لتأثيرها الذاتي وبلاغة التصوير الشاعري لها، لكن السينما أضفت الكثير من التحسينات ورفعت كفاءة القصة لدرجة قد توصل دفق التأثر لدرجة الانسجام الكامل والارتباط النفسي الذي يصل أحيانا للارتباط الوجداني العميق مع أحداث القصة ، على رأس هذه التحسينات والأكثر كفاءة على الإطلاق بالنسبة لي هو الموسيقى التصويرية ، سحر السينما . طبعا يحتاج هذا سحر السينما إلى موهبة خاصة من فنان يتقن ترجمة اللحظات الدرامية على شكل نغمات تضيف بعدا هاما لنجاح التجسيد السينمائي للقصص ، ويلفت انتباهي في هذا السياق روعة وإبداع الأفلام الصامتة التي نال أحدها "The artist " عدة جوائز أوسكار لعام 2010 ، ففي الأفلام الصامتة يرتكز التعبير الدرامي على الموسيقى التصويرية التي تنقل الصورة من مجرد حركات شكلية إلى تعبير درامي شاعري عميق يختزل كل رسائل المشهد في رسالة موسيقية إيحائية قادرة على إدخالك في الجو العام سواء كان حزنا أو فكاهة أو فرحا ، والطريف فيما يميز الأفلام الصامتة عن الأفلام السينمائية العادية التي تمزج بين الحوار المسموع والرسالة الموسيقية، أن الصامتة توصل لك فضل الموسيقى التصويرية بأمانة الصورة الدرامية مع إلغاءها عناء التركيز على عبارات الحوار المسموع، فهي من هذا المفهوم تقوم بتحرير خيالك بوضعك في السياق العام للمشهد تاركة لك حرية رسم العبارات البنيوية للحوار في مخيلتك و بتعب ذهني أقل نظرا لغياب الارتباط الذهني بنص حواري جامد ـ حسب رأيي ـ . ولأن الموسيقى التصويرية فن دقيق وأصيل في صناعة جودة الفيلم وأحيانا يرفع أفلاما لمرتبة الأوسكار والتي لو جردت من البعد الموسيقي لصارت عملا عاديا مفرغا من أي إبداع، فعلى سبيل المثال أذكر فيلم The king's speechالذي أجده يتناول قصة عادية جدا لو أفرغ من عوامل التحسين التي تأتي في مقدمتها الموسيقى التصويرية ،
لأنه فعلا ذلك الفن الذي يصنع الفارق الضخم في نجاح الفيلم فقد استحوذ على اهتمام الكثير من المخرجين الناجحين، فقد اقترن اسم المخرج جيمس كامرون مخرج الفلمين الأكثر إيرادات في التاريخ ، Titanic & Avatar بملحن الموسيقى التصويرية جيمس هورنر والذي ألهبت موسيقاه ـ أيضا ـ مشاعر المحظوظين الذين تابعوا أفلاما خالدة كـ Brave heart و Enemy at the Gates ، كما استعان المخرج الأرجنتيني أليخندرو اجريستي بعملاق الغناء والموسيقى البريطانية السير جيمس بول مكارتني في أحد أكثر الأفلام تأثيرا في The Lake house الفيلم الخيالي الرومانسي العجائبي والذي ما كان ليكون كذلك لولا سحر السينما الخفي.