في صف المتنورين / أحمد جدو ولد محمد

دون مقدمات تخوض في أصل التنور في اللغة وكذا في الاصطلاح، والمنشئ، وعلاقة مدارسه ببعضها، ودوافعه وأهدافه وما يصاحب ذلك من جدل.فالذي يبدوا عليه متنورونا العرب والمسلمون هو أنهم أناس عقلانيون، دفعتهم الغيرة على الأمة إلى التصدر والتصدي لغربلة تراثها وبالأخص منتج ما اصطلحوا عليه بعصور الانحطاط.

ميزانهم الأول هو عقولهم الكبيرة، ومع ذلك فليسوا امتدادا للمعتزلة وإن كان بينهما تقاطع كبير، ولا هم كذلك تبع لمتحرري الغرب، فهم وإن حاكوهم في أصل الفكرة فقد خالفوهم في عدم الدعوة على الأقل علنا إلى العلمنة.

و هم مشارب وإن جمعهم الاسم والفكر فقد فرقتهم الأدوار والتخصصات، فمن ناقد للتراث الديني والعقل العربي، إلى ناقد للفكر الإسلامي، فداع لإعادة فهم وقراءة النص.

و قد استقطب التنور روادا من جميع الدول العربية والإسلامية، فبرز مفكرون كبار أقاموا الدنيا وشغلوا الناس لبعض الوقت، وجاءوا بالسمين والغث.

إلا أن بلدنا ظل بعيدا عن التنور بهذا المفهوم، حتى ظهر مؤخرا متنورون ومتنورات يفتخرون بمدارسهم ويشيدون بشيوخهم ويبدون شيئا من الجسارة والجرأة، ومع ذلك "فأن تلتحق متأخرا خير من ألا تلتحق"، ولحداثة التجربة معنا فإن ثمة نقاطا ينبغي لمتنورينا الوقوف عندها ومراعاتها منها:

أولا- عدم الحرص على اللقب: إذ التنور في حد ذاته ليس هدفا، والمفكر يكون أكثر تأثيرا وأقدر على العطاء حين لا يحمل أي ميسم يقيد حريته وحركته ويحبسه في دائرة محددة القطر.

ثانيا- التجديد: فمُجتر فكر من تقدمه لا يعد مفكرا ولا متنورا بل قد وقع فيما يدعو إلى نبذه من طرح التقليد، وبمعنى آخر على متنورينا أن يسهموا في إنهاض الواقع المحلي، دون التخلي عن قضايا الأمة بالطبع، فنحن نريدهم روادا لفكر أكثر اتزانا وأوثق عرى بالماضي، وأن ينظروا بلا واسطة للتعرف على الحق ويعرفوا بذلك.

ثالثا- الوعي والتحفظ عند نقل وتبني أراء الغير من المتنورين، فلا يكفي الاشتراك في الخلفيات وحده، بل يجب النظر إلى المعطيات التي بني عليها أي رأي أريد نقله وتبنيه، - فكم من تارك بعد تمحيص المنطلقات والمباني رأيا وافق هواه- إذ الميول ليس مبريرا للتبني.

فلا ينبغي تقبل كل ما يكتبه أهل التيار ونقله، بل على المتنور أن يحتفظ لنفسه ببعض اجتهاد يزن به الشبه والمبالغات والمغالطات وغيرها، إذ لا مجال في العلم والمعرفة للأحكام المسبقة، والأفكار المعلبة، والبياض والسواد فقط، مادام المطلوب هو الحق والصواب.

فكيف مثلا لا يتنبه من ينقل عن غيره الافتراء على عائشة رضي الله عنها وفي حق أبي هريرة رضي الله عنه، حين يقول بأنها قالت:"كذب أبو هريرة" حاشاها أن تقول ذلك وإنما قالت: لم يحفظ... في رواية الطيالسي ، وقالت والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول... في رواية أحمد.

رابعا- عدم الوقوع في إنكار ما اتفقت الأمة وأجمعت عليه وظلت مسلمة به حتى وقتنا الحاضر، خصوصا إذا كان المعارض له لا ينهض بل مجرد غرور بعقل فاته الكثير، فأي خير تجنيه الأمة اليوم مثلا من الطعن في حدي الردة والرجم مع تعطيلهما وغيرهما من الحدود.

خامسا- الحذر من التناقض من حيث الاعتماد على روايات كتب التاريخ غير المسندة وحتى المسندة سندا هشا في تقرير مسائل كبيرة، ورد أسانيد معلومة تلقتها الأمة بالقبول، في الوقت الذي ندعوا فيه إلى التثبت والتمحيص.

سادسا- عدم استسهال الإساءة إلى أي كان إذ ليست القدح في الأشخاص من شيم الباحث النبيل المتصف برحابة الصدر ورجاحة العقل، والإساءة هنا تعظم بعظم المستهدف.

وأسجل هنا الرفض البات لأي إساءة لأي صحابي، وأدعو متنورينا و"متنوراتنا" إلى عدم الانجرار إلى ذلك، خصوصا وأنهم لن يأتوا فيه بجديد فليطهروا أفواههم مما جنت أيدي غيرهم، كفي تعريضا بالصحابي الجليل أبي هريرة، وإنكار ما لم يقبل إنكاره عليه ممن هو أفضل منا؟، فحديث (الشؤم في ثلاثة...) مثلا روي في الصحيحين عن ابن عمر ، وروي فيهما كذلك عن سهل بن سعد الساعدي.

و لم يترك الحفاظ وأهل العلم متكلما لأحد في معناه وفي التوفيق بينه وبين حديث: (لا عدوى ولا طيرة).

وعلى هذا "متورينا ومتوراتنا" فنحن مطالبون بالكثير من التحري في سبيل التحرر، وأن نحذر شؤم الوسائل، فمن شؤم الكتابة التصحيف والتحريف ومن شؤم الفكر التعالي والتحقير.

نور الله بصائر الجميع لما فيه صلاح الدنيا والدين.

مسند الطيالسي: (1641).

مسند الإمام أحمد: (25168) و(26034) و(26088)

البخاري: (2858)، مسلم: (2225).

البخاري: (5095)، مسلم: (2226).

 

 

[email protected]

7. سبتمبر 2013 - 12:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا