يعرف قطاع الإعلام عموما تطورا كبيرا، والإعلام العام بشكل خاص، فبعد أن كانت الإذاعة، والتلفزة الرسميتين مجرد أبواق تمجدان النظام، وتسبحان بحمده ليل نهار، أصبحت هاتين المؤسستين منبرا حرا لكل الآراء، خصوصا تلك التي لا تروق للسلطة، وأهل النفوذ، وفضاء مفتوحا أمام الجميع.
سياسة النظام الحالي في الانفتاح الإعلامي، وحرية الرأي، والتعبير يبدو أنها سياسة استراتيجية، وليست مجرد تكتيك، أو مناورة للاستهلاك، الداخلي، أو الخارجي، تحويل الإذاعة، والتلفزة إلى مؤسستين للخدمة العمومية، خفف من وطأة الدولة على هاتين المؤسستين، وجعلهما أكثر قربا من المواطن، وهمومه، كما منحهما هامشا من الحرية كان مفقودا منذ عقود.
المناظرات السياسية التي نظمتها الإذاعة الوطنية قبل أشهر كانت حدثا غير مسبوق، حيث سمعت مختلف الآراء عبر أثير الإذاعة الرسمية، بعد أن كان الرأي الحكومي وحده سيد الموقف بلا منازع، بل وبلا شريك، كما أصبحت الإذاعة، والتلفزة الرسميتين تغطيان المؤتمرات الصحفية، وأنشطة الأحزاب المعارضة للنظام، وتلك سنة جديدة أيضا كانت حتى وقت قريب ضربا من الخيال.
أما التلفزة الموريتانية فيبدو أنها بدأت تخطو بثبات نحو تطلعات مشاهديها، فمنذ تعيين المديرة الجديدة كأول امرأة تتولى إدارة هذه المؤسسة بدا واضحا أن إرادة التحديث، والتطوير، فنيا، ومهنيا واضحة للعيان، حيث تعززت المسطرة البرامجية للتلفزة بباقة جديدة كليا من البرامج، التي تقترب من المواطن، وتلامس آلامه، وآماله.
التحقيق الذي أجرته التلفزة عن قطاع الأدوية أثار إعجاب المواطنين، فمستوى المهنية، والتجرد الذي عكسه هذا التحقيق لم نشهده حتى في الفضائيات المستقلة، واستبشر المواطنون خيرا بهذه الجرأة، والتوجه الجديد في الإعلام العمومي، بل وكتبت مواقع إلكترونية عديدة عن هذا التحقيق مشيدة، ومنوهة به.
هذه حقائق، وتطورات يعرفها إعلامنا العمومي، الذي أصبح بالفعل إعلاما عموميا، بعد أن كان إعلاميا رسميا، والفرق بين الوصفين كبير، ومهم، فلم يعد المسؤولون يأمنون من فضح مخالفاتهم، وتقصيرهم، أحرى أن يحظوا بتعتيم على تلك المخالفات، وذلك التقصير. إن هذه السياسة الإعلامية الجديدة هي التي ستعزز دور الإعلام كسلطة رابعة، لا سلطة تابعة كما كان منذ عقود، ومن تداعيات هذا الانفتاح الإعلامي أن أصبح المسؤول هو من يخشى من الصحفي، بعد أن كان العكس هو السائد، وذلك بفعل قانون إلغاء الحبس في قضايا النشر، الذي أقره النظام الحالي .
كل هذه المتغيرات جعلت موريتانيا تتصدر لائحة الدول العربية في حرية الإعلام، بعد أن كنا نتصدر فقط في عدد الانقلابات العسكرية، فبعد أن كان التضييق على الصحفيين أسلوبا شائعا، وتدجين الإعلام الرسمي سياسة متبعة، انتقل الصحفيون من التضييق، إلى الدعم المالي الرسمي، حيث أصبحت الحكومة تخصص مئات الملايين لدعم الصحافة المستقلة، دعم غير مشروط، فلم يعد النظام يكافئ من يطبل له، ولا يعاقب من ينتقده.
أعتقد أن القطاع الوحيد في موريتانيا الذي شهد تطورا كبيرا خلال السنوات الثلاثة الماضية هو قطاع الإعلام، بشقيه: العمومي، والخصوصي، فالدولة إذا قامت بما عليها في مجال الإعلام، لتصبح الكرة في مرمى الصحفيين أنفسهم ليستثمروا هذا المناخ لخلق تجربة إعلامية رائدة.