الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديرًا، وفتح للمؤمنين أبواب الخيرات، وكان بهم لطيفًا خبيرًا، ودلهم على سبل الطاعات، وأخبرهم بما يكون لهم ذخرًا بعد الممات والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فإن المال قوام الحياة، ونعمةً على صاحبه، يستعين بها على طاعة ربّه، وتصريف أمور حياته، وحقيقةُ مال المرء، هو ما قدَّمه لنفسه، ذُخرًا له بين يدي خالقه؛ ففي صحيح البخاري، قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: "فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ".
فالنفقة الدائمة، خيرٌ من المنقطعة، والله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: 12]،
لذلك كان الوقفُ من أفضل أبواب الخير وأنفعها؛ وذلك لتحبيس أصله، وتسبيل منفعته، فهو أصل قائم، وأجر دائم، إذا انقطع بالْمُوقف العمر، فلا ينقطع عنه بإذن الله الأجر.
وهو صورةٌ حضاريةٌ مشرقةٌ، لبذل المسلمِ وعطائِه، وسعيِه واهتمامِه، في أبوابٍ متفرقةٍ، ينفع بها مجتمعه، ويُسهِم بها في رفعته، كبناء المساجد والمستشفيات، وأوقاف الأرامل والأيتام، وغيرها مِنَ المَرافِق التي ينتفع بها الإنسان.
وبما أن الصحة العامة وصحة المواطن هي أغلى ما تملكه المجتمعات، وهي ثروة يجب الحفاظ عليها وصيانتها، لأن الإنسان هو الهدف لكل ما تقدمه برامج وخطط التنمية من خدمات، وأن مطلب الحياة هو أول مطالب ذلك الإنسان، تزايد الطلب على الخدمات الصحية في العالم عموما وفي موريتانيا خصوصا لأسباب كثيرة منها تزايد أعداد السكان وطبيعة التركيبة السكانية مما شكل ضغطاً على مؤسسات الرعاية الصحية والتي هي من الحقوق الهامة والحاجات الملحة للمواطنين وذلك لسببين:
السبب الأول: أن الإنسان هو هدف التنمية كما أنه وسيلتها، والصحة هي أول متطلبات الإنسان وأهم مقومات حياته.
السبب الثاني: أن الخدمات الصحية تعد أغلى أنواع الخدمات تكلفة حيث يبلغ حجم الإنفاق العالمي على الخدمات الصحية سنوياً تريليوني دولار ويتوقع أن تزيد خلال السنوات القادمة.
ومن المجالات التي أسهم بها الوقف الصحي في موريتانيا، والتي خففت أعباء مالية كبيرة على ميزانية الدولة وحلت كثيراً من المشكلات القائمة في مجال الرعاية الصحية وقف مستشفيات الرضوان في العاصمة نواكشوط (أحياء الترحيل، ودار النعيم) وفي داخل الوطن (كيفه) ولم تكن هذه المستشفيات أماكن للعلاج فقط، بل كانت أيضًا معاهد للتعليم والتطبيق في مجال الطب، وشمل ذلك الوقف:
1. الوقف على بناء وتشغيل وصيانة تلك المستشفيات، وذلك بتخصيص بعض العقارات أو المشروعات الاستثمارية للصرف على تلك المؤسسات الصحية، مستشفيات، ومستوصفات، ومراكز علاجية ووقائية عامة أو متخصصة.
2. الوقف على الأجهزة الطبية التي تحتاجها تلك المستشفيات والمراكز الصحية مثل أجهزة غسيل الكلى، وأجهزة الأشعة المتطورة وغيرها مما قد لا يتوفر في كثير من مستشفيات الوطن رغم الحاجة المتزايدة.
3. وقف سيارات الإسعاف وغيرها من الوسائل المساعدة التي تحتاجها المستشفيات والمراكز الطبية.
4. الوقف على الأدوية حيث خصص بعض الأوقاف، لتوفير الأدوية وخاصة أدوية الأمراض المزمنة والتي يحتاجها المريض فترات طويلة أو مدى الحياة مثل أدوية الضغط والسكر والقلب وغيرها.
فجزى الله خيرا صاحب الوقف رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين محمد زين العابدين الشيخ أحمد، والقائمين عليه وتقبل منهم، وأجزل لهم المثوبة وأعانهم، وفي الأخير أتمنى لهم ولغيرهم من المنفقين مزيدا من الأوقاف الصحية وغيرها خصوصا الوقف على:
1. كليات الطب والمعاهد الصحية، سواء وقف المنشآت أو تخصيص بعض الأوقاف للصرف على تلك الكليات والمعاهد ودعمها، وتوفير احتياجات طلابها وأساتذتها من الكتب والأجهزة وغير ذلك.
2. الوقف على مراكز البحوث وهيئات البحث العلمي وتخصيص أوقاف للصرف على المنح الدراسية في مجال الطب والصيدلة والتمريض.
3. .إنشاء صناديق وقفية تستقبل التبرعات الصغيرة والمتوسطة وتنميها وتصرف من ريعها لدعم المؤسسات الصحية في بلادنا.