القرار الموريتاني "المختطف" / أحمد محمد المصطفى

أحمد ولد محمد المصطفىالحكومة الموريتانية تتحمل مسؤولية تأجيل الانتخابات لأنها من اتخذ قرارا بذلك عدة مرات، وتراجعت عن كل المواعيد التي تم تحديدها بعد تجاوز الآجال القانونية والدستورية لها. هذا ما تقوله المعارضة الموريتانية.

وهذا غير صحيح لأن تأجيل الانتخابات جاء بناء على طلب رسمي من منسقية المعارضة تم توجيهه للوزير الأول، ويقول رئيس الحزب الحاكم إنه لديهم نسخة منه.

لا يهمنا هنا الجدل غير المحسوم حول هذا "المسؤول" منهم، فلا طائل من ورائه، بقدر ما يهمنا "التهرب" الظاهر والدائم من المسؤولية، مسؤولية اتخاذ القرارات، مسؤولية تبنيها، مسؤولية الجرأة عليها.

قرارنا الوطني "مختطف ومغيب" أو "متخلى عنه" إنه "مشرد" يبحث عن "متبن"، أو "آمر"، إنه في أغلب أحواله يتسكع على عتبات "الأجانب"، قد يطلب مقابلا ماديا "لأسرته" لكن في النهاية سيقبل بأي "شيء".

دعونا في موضوع الانتخابات، هذه الانتخابات التي كان يجب أن يكون موضوعها إجرائيا تماما كما قال ولد عبد العزيز في مقابلة مع وكالة افرانس ابريس في النصف الأخير من العام 2011، وبالحرف: "مع الحوار أو بدونه ستكون هناك انتخابات في الأول من أكتوبر 2011. ولن يحدث أي فراغ دستوري"، أجلت الانتخابات أكثر من مرة، واقترب "برلمان 2006" من إكمال نصف مأموريته الثانية. عاد الحديث عن الانتخابات أكثر من مرة، وحدد لها أكثر من موعد، وظل الغائب الأبرز هو "القرار"، قرار الانتخابات لم يجد "متبن" حتى الآن، لذا سيظل يدور ويتسكع هنا وهناك إلى أن يجده.

بعد الكثير من التردد وجدت الحكومة "مهربا" وعذرا تخلصت فيه من "القرار العبء"؛ فأحالت المسؤولية إلى لجنة الانتخابات، لكن لجنة الانتخابات غير مؤهلة ولا مستعدة "لإيواء" هذا "الصبي المشرد"، لكنها لا تجرؤ على اتخاذ "قرار" برفضه، وقد يرفض "الصبي المشرد" تركه في "مأوى عجزة".

الجميع حكومة وأغلبية ومعارضة يتحدث عن الماضي باستفاضة، عن تراكماته، إخفاقاته ونجاحاته، ويسهب في تصور المستقبل بأحلامه وتوقعاته، لكن يصمت صمت القبور حين يتعلق الأمر بالواقع وبالتعامل معه، يبتلع الجميع ألسنتهم وتجف حلوقهم، ويطردون "المشرد"، عل استغاثاته تبعث الرحمة في قلب "متبن" جديد...

الكل فرح مستبشر بالحديث عن تحرك جحافل الغربيين في نواكشوط للدخول على خط الوساطة، والاستعداد لإخراج "القرار الموريتاني" من قمقمه الذي دخله عشية توقيع "اتفاق داكار"، كما يتم الحديث عن "متبن" خليجي، ولن يمانع الساسة في التعامل مع هذا المتبني الجديد، حتى ولو كان "لقيطا".

يتسابق النظام ومعارضته في مضمار الهروب إلى الأمام، وتأجيل القرارات، كان متفوقا عليهم في تأجيل الانتخابات، لكنهم تفوقوا عليه في تأجيل الاجتماعات، ولكل مضماره واختصاصه.

ليس الأمر حكرا على القرار السياسي، بل هو للأسف أشمل من ذلك، إنه يشمل كل "القرارات الموريتانية" سلما أو حربا، سياسة أو اقتصادا، القرارات التي لا تجد "متبن" خارجي، يكون للواقع والصدف دور كبير فيها.

أكبر الأحداث السياسية في تاريخ البلاد كانت ردات أفعال، أو بضغط خارجي؛ من الانقلابات، إلى الاتفاقات، إلى الانتخابات. غياب الفعل يبقي الجميع تابعا.

أكثر السياسيين صراحة في هذا المجال هو الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز فقد اعترف بعيد ما حدث في السادس أغسطس بأنه كان "ردة فعل"، ثم عاد في 2013 ليزيد كتيبته البرلمانية، إحراجا على إحراجها، وليؤكد أن ما وقع كان انقلابا صريحا، ولم تكن لأصحابه أي شرعية. كما أكد في أحاديث متفرقة له أنه لم يفكر – حتى صباح الانقلاب – في تقلد منصب الرئاسة.

لا شيء سيتغير في موريتانيا ما دام القرار الموريتاني "مختطفا" ومشردا، غياب "المسؤولية" هو سر نكبة موريتانيا، حين يشب "القرار" عن الطوق، ويتحرر من قبضة "متبنيه"، ويجد "مسؤولين" على مستوى المسؤولية سنكون بالفعل قد وضعنا أول خطوة على الطريق الصحيح... في الغالب لن يكون ذلك بـ"نخبة" عسكرية أو متعسكرة، لا تحسن الهروب والالتفاف والتفنن في ألاعيب لا طائل من ورائها.

على طريقة الكاتب الكبير محمد الأمين ولد الفاظل: "تصبحون على وطن له قراره".

7. سبتمبر 2013 - 12:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا