مِنَح الوهاب في محنة الانقلاب / د.محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد

 د. محمد الأمين بن الشيخ بن مزيدالحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فبمناسبة مرور شهرين على انقلاب الأحزاب أردت أن أكتب هذه الكلمات للتذكير بالمنح الربانية في طيات هذه المحنة الانقلابية فأقول وبالله التوفيق:

لقد نجح الدكتور محمد مرسي في انتخابات غير مسبوقة في مصر شهد العالم بنزاهتها ، وأدى القسم ، وأصبح رئيسا لمصر، غير أن الخصوم في الداخل والخارج – الذين لا يؤمنون بصناديق الاقتراع إذا اختارت الإسلاميين –بدؤوا من البداية يخططون للانقلاب على الرئيس المنتخب وكان إلى جانبهم في مخططهم الشرير:

1. القضاء قضاء محمد حسني مبارك الذي عرقل كل خطوات التحول من الدولة الاستبدادية الظالمة إلى الدولة الشورية العادلة .

2. وسائل الإعلام التي استغلت ظروف الحرية والعدل وحرية التعبير في تشويه الحقائق ورمي الرئيس المنتخب وأعوانه وجماعته وحزبه بكل نقيصة ، واستَخْدَم الإعلام ُإمكاناتِه الهائلةَ في وأد الثورة على الظلم .

3. وزارة الداخلية التي استقالت من مهامها في حفظ الأمن في ظل الدكتور محمد مرسي بهدف نشر الفوضى وتقويض السلم الاجتماعي تمهيدا للانقلاب .

4. فلول الحزب الوطني الذين استخدموا كل وسائل المكر التي تدربوا عليها وألِفُوها واعتادوها في عهد الفساد والاستبداد ، واستخدَموا الإمكاناتِ الماديةَ الكبيرة التي حصَّلوها في عهد مبارك ، كلُّ ذلك لتحويل حياة المواطن العادي إلى جحيم لا يطاق، ليرحِّب بأي انقلاب على الرئيس المنتخب .

5. البلطجية الذين ظلوا في خدمة أسيادهم في النظام السابق ، وظلوا ينتظرون الأوامر للقيام بالمهام الإجرامية التي تسند إليهم ، مقابل مبالغ زهيدة مهما كانت في عيون المساكين كبيرة.

6. الأقباط الذين أدَّاهم سوءُ تقديرهم إلى أن حقوقهم ستهتضم في ظل العدل الإسلامي فشايعوا كل معاد لحكم الدكتور محمد مرسي . والتاريخ يشهد بأنه كلما كان الحكم أقرب إلى الإسلام ، وأكثر فقها في دين الله ،كانت الحقوق مصانة والعهود مرعية .

7. العلمانيون والليبراليون واليساريون والقوميون الذين كانوا يرفعون شعار الديموقراطية فإذا بهم فجأة يتنكرون لذلك ويعملون مع ألد أعداء القيم الثورية والتحررية والديموقراطية .

8. الأوربيون والأمريكيون وأولياؤهم الذين طالما تغنَّوا بقيم الحرية والعدالة والإنسانية فإذا بهم ينَسِّقون مع أعداء هذه القيم للإطاحة بالرئيس المنتخب في أنزه انتخابات شهدتها مصر في القرون الحديثة .

9. مال الأثرياء الذي أنفق بسخاء للصد عن سبيل الله ، ولتحقيق أهداف الكافرين في إبعاد مصر عن طريق الحق والقوة والحرية ، طريق النهضة والعزة والعدل والشورى والريادة والقيادة ، لتظل ذيلا للكفار وليظل جيشها حارسا لأمن الصهاينة .

10. الصهاينة الذين رأوا بعيونهم مصر وقد سلكت الطريق الذي يؤدي في النهاية إلى تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر ، ويؤدي في البداية إلى الاستقلال في إنتاج الغذاء والدواء والسلاح وإيجاد مجتمع (اليد العليا ).

اجتمعت هذه العوامل كلها فانبعث قائد الجيش ليحقق آمال أعداء الأمة الإسلامية بالانقلاب على الدكتور محمد مرسي ، وعاد عهد مبارك بظلمه وجوره وفساده واستبداده وموالاته لليهود والنصارى ومعاداته لأهل الإيمان .

هل يمكن بعد أن تجمَّعت هذه الجهود كلُّها أن ينقلب السحر على الساحر وتتحول المحنة الانقلابية إلى منحة ربانية ؟ الجواب بالإيجاب . وهذه بعض منح الوهاب في محنة الانقلاب :

1. لقد أدرك الخيرون المخلصون في مختلف التوجهات الإسلامية أن المستهدف بخطط الانقلاب إنما هو الإسلام ، بعد أن كانت ( الحزبية ) تحول دون إدراك الحقائق فيظنون الأمر خططا موجهة ضد جماعة ( الإخوان المسلمين ) وحدها وأن بإمكان بقايا الطيف الإسلامي أن تعيش معززة مكرمة بعد إبعاد ( الإخوان المسلمين ) بل ريما خطر ببال بعض بقايا هذا الطيف أن يكونوا ورثة ( الإخوان المسلمين ) وتخْلُو لهم البلاد من (المنغصات ) فيقيموا دعوتهم الإسلامية بعد أن خلا لهم الجو لكنهم الآن أدركوا الحكمة القائلة : أُكلت يوم أكل الثور الأبيض ، فتوحدت كلمتهم واجتمع صفهم وكأنهم يقولون بصوت واحد : " اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك والتقت على طاعتك وتوحدت على دعوتك وتعاهدت على نصرة شريعتك فوثق اللهم رابطتها وأدم ودها واهدها سبلها ، واملأها بنورك الذي لا يخبو واشرح صدورها بفيض الإيمان بك وجميل التوكل عليك وأحيها بمعرفتك وأمتها على الشهادة في سبيلك إنك نعم المولى ونعم النصير وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلِّم . اللهم آمين ".

2. أدرك الإسلاميون خطورة الإعلام والقضاء والجيش والدولة العميقة والمنافقين في الداخل ، وسيكونون في المستقيل – إن شاء الله تعالى – أكثر وعيا وأفضل تخطيطا ولن يلدغوا من هذه الجحور مرة أخرى بل سيكون ما حصل – إن شاء الله تعالى – بالنسبة لهم نوعا من التطعيم الذي يحصِّن ضد المرض بجرعة تستفز أجهزة المقاومة في الجسم فتغالب وتنتصر وتتحصَّن .

3. لقد بصَّرتهم التجربة وغسلتهم من أخطائهم وأهَّلتهم للعودة مرة أخرى بخطط أفضل وتدبير أقوى وعلاقات أوثق وسياسة أكثر حزما وصرامة وحنكة وحكمة .

4. لقد كشفت لهم التجربة حقائق كان الحصول عليها يستغرق آمادا طويلة فانكشفت لهم حقيقة كثير من الجهات ، وكثير من المنظمات وكثير من الإعلاميين والقضاة والكتاب والمفكرين والسياسيين الذين باعوا المبادئ بثمن بخس وكانوا في مبادئهم شديدي الزهد .

وبالعكس فقد كشفت لهم هذه المحنة معادن َكريمةً أعلنت كلمةَ الحق أمام السفاح الحاكمِ بأمره وزهِدتْ فيما تُدِرُّه مسايرةُ الانقلابيين من مال وجاه فلَفَتَتْ نظرهم هذه التجربةُ إلى أهمية ( علم الجرح والتعديل ) وأهمية معرفة ( الثقات) ومعرفة ( الضعفاء والمتروكين ) وإلى ضرورة إقامة ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ) .

5. لقد علَّمتْ هذه التجربةُ المقاوِمةُ( بصيغة اسم الفاعل ) الشعوبَ المستضعفة َ كيف تحافظ على حريتها واختياراتها وكيف تقف في وجه طغيان القوة ، وتسلُّطِ المال وتحكُّمِ الدول الكبرى في مصاير الشعوب ، ولقَّنتْها دروسا في العزة والكرامة واستعلاء الإيمان وأقامت لها دورات تدريبية لا تنسى في ميدان (رابعة العدوية) وميدان (النهضة) .

6. لقد قيض الله الانقلابيين الحمقى ليُظهروا للعالم الفروقَ الكبيرة بين نموذجين من الحكم نموذج نظام العدل الإسلامي الذي يدعو له الإسلاميون ونموذج نظام الظلم المدعوم من الغرب و أوليائه " والضد يطهر حسنه الضد ".

وللتدليل على ذلك نكتفي بذكر مثالين : فبعد ما كان الرئيس المنتخب يعلن في التلفزيون أنه لا يوجد في مصر سجين سياسي واحد ، امتلأت السجون بالسياسيين المظلومين في أسابيع قليلة ، بل صدر الحكم بالسجن المؤبد على مجموعة من شباب الإخوان في ظرف وجيز ،لا يكفي للاطلاع على كل جوانب القضية .

وبعد ما كانت حرية الإعلام في عهدها الذهبي افتتح الانقلابيون عهدهم عهدَ الظلم المدعوم من الغرب وأوليائه ، بإغلاق القنوات الإسلامية في الدقائق الأولى ثم محاربة الإعلام الحر المناضل ورجع الإعلام العموميُّ إلى عادته القديمة في العهود الدكتاتورية إلى درجة تحريف تصريحات الدبلوماسيين الأجانب والكذبِ جهارا نهارا بلا حياء .

7- وأخيرا فقد أسدت هذه المحنة للإخوان المسلمين خدمة جليلة حيث عرَّفَتْ بهم ونشرت محاسنهم ، وأظهرت صبرهم واحتسابهم ، وتجردهم ويقينهم ، وجهادهم بالنفس والنفيس ، وثباتهم على مبادئهم ، واستعلاءهم على الأطماع الدنيوية . فحققت لهم هذه المحنة من التعريف والإشهار والإعلان مالم تحققه الجرائد والإذاعات والفضائيات قبلها.

وهي منحة لا تخص الإخوان المسلمين وحدهم لأنها تنعكس إيجابا على كل دعاة الإسلام الذين يظُنُّ بهم الظانون ظن السوء فجاءت هذه المحنة لتبرئهم وتظهر معادنهم النفيسة فانقلب السحر على الساحر وحاق المكر السيئ بأهله و تحولت المحن إلى منح ( ولله الأمر من قبل ومن بعد) 

7. سبتمبر 2013 - 12:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا