التغيير عملية هيكلية طويلة الأمد تشمل كل مناحي الحياة ، هي عملية صعبة كذلك و تحتاج إلى منظرين وقادة فاعلين ، هذه الخاصية هي التي ميزت العديد من الثورات سواء القديمة منها أو الحديثة .و لا تقتصر عملية التغيير على الجانب السياسي فقط ،
إنما تتعداه إلى جوانب كثيرة اجتماعية وثقافية ومجتمع منغلق وجاهل كالمجتمع الموريتاني بحاجة إلى تضافر جهود القلة القليلة من مثقفيه الأحرار ليقودوا القاطرة إلى الأمام بدل أن تقاد هذه القلة من قبل تيار المجتمع السلبي الجارف نحو الهاوية البعيدة.
فلو أخذنا مثالا على المستوى الفرنسي في عصر التنوير نجد فولتير كأحد أبرز من وقفوا في وجه القوى الظلامية، حتى ولو كان ذلك على المستوى الفرنسي البعيد إلا أن مجابهته للقوى الرجعية تعتبر مرجعا لكل من يسعى للنهوض بمجتمعه، ففولتير لما رأى الفساد والتدمير صاح عاليا " اسحقوا العار" . العار بالنسبة لنا هو كل تلك الأدران الدخيلة على الدين الاسلامي الحنيف التي يحاول البعض المحافظة عليها لأنها تخدمه في مصالحه الدنيوية البغيضة وكل تلك العبارات الرنانة التي يطلقها البعض وفي الحقيقة ما هي إلا شعارات لتضليل فقراء هذا المجتمع التعيس.
أما لو تطرقنا الى المجتمع المصري كمثال عربي على ريادة مثقفيه في الحراك السياسي كبوابة للتغيير بشكل عام نجد الحركة المصرية للتغيير (كفاية) كأهم حركة تغييرية برزت سنة 2004 ، حيث وقع على ميثاقها حوالي ثلاث مائة مثقف وسياسي من أبرزهم الدكتور عبد الوهاب المسيرى الأستاذ جورج اسحاق الدكتور أمين إسكندر الأستاذ أبو العلا ماضي ، فهل نشهد ميلاد تكتل للمثقفين الموريتانيين (صحفيين ، روائيين ، أطباء ، نشطاء مجتمع مدني ، سينمائيين ...إلخ ) ويكون هدفه الوحيد هو تغييري بامتياز زعلى مختلف الصعد؟ لا أعني هنا مبادرات خجولة تظهر بين فترة وأخرى وليست ذات أمد طويل ولا تتوفر على الرؤية الثاقبة لمواكبة مستجدات الساحة بشكل عام ، والتي يكون هدفها عادة هو محاولة وضع حل تصوري لأزمات سياسية آنية وغالبا ما تفشل في الوصول حتى إلى الجهات المعنية ، فهل تولد مثلا حركة او تيار بأهداف غير نفعية تسعى للتغيير فقط ؟.
أن تكون مثقفا موريتانيا مكبلا في لا وعيك بقيود المجتمع وتابوهات تعلم علم اليقين أنها سلبية وهدامة ومع ذلك تسكت عنها خوفا من المجتمع فأنت مثقف جبان ، وهي أقل صفة يمكن أن توصف بها ، ولا أتحدث هنا عن أشباه المثقفين القابعين تحت جناح الفرد الحاكم ويأتمرون بأمره ويبررون له كل زلاته التي لا تغتفر في الغالب ، كأن يطلب ترك المجال الأدبي والتوجه إلى المجال الميكانيكي.
لا تقتصر هذه التابوهات على المجال الإجتماعي وحده بل تتعداه إلى المجال الديني العائق الأبرز أمام التطور، ولكي لا يفهم حديثي خطأ أركز على أن المحظور الديني هنا هو ما لا علاقة له نهائيا بأصول الدين ومبادئ الاسلام الصحيحة ومع ذلك يتمسك به مجتمعنا كتمسك الغريق بحبل نجاة ، و لتكون الصورة أوضح نضرب آخر مثال منذ أيام حينما اعتذرت كاتبة مهتمة بنقد تابوهات المجتمع حول المرأة أساسا لفقيه شاب رأت أنه يحمل أفكارا رجعية ، هذا دليل واضح على المثقف المنقاد المغلوب مجتمعياً.
المجدتمع الموريتاني ما يزال بحاجة إلى ثورة أخلاقية ، ثورة اجتماعية ، وسياسية بالدرجة الأولى لأنها ستكون القاطرة التي ستعمل على تحقيق هذا التغيير ، فمجتمع غير متعلم كمجتمعنا لن يأتمر ويهلل إلا للحاكم ، ورأينا ذلك في مختلف الهبات الظرفية التي يطلقها بعض إن لم يكن كل الانقلابيين المتعاقبين على حكم هذا البلد المنكوب كحملة الكتاب وحملة التشجير ، لكن هذا لا يلغي بتاتا الدور المنوط بالمثقفين المعروف على مر التاريخ أنهم وقود أي قاطرة مجتمعية بتنويرهم للرأي العام حول المسائل التي تعيق تقدمه والتي تفيده.
إذا في المجمل على المثقف الموريتاني أن يعمل دون أطماع من أجل هذا البلد المُبْتَلَى منذ بُعَيْد تأسيسه بمجموعة عسكريين يتقاذفونه يمنة ويسرة بسبب أطماع مادية لا يلوح في الأفق أي دليل على أنهم سيتخلون عنها.وعليه من ناحية أخرى أن يهاجم المجتمع بعنف ويغربل كل تلك المحظورات ويعريها أمامهم حتى يدركوا أن هذه مجرد قيود ذهنية سهلة التكسير وفقط بقليل من الإرادة والعزيمة.