يحكى فيما يحكى، أن تلميذا فاشلا، كان كثير الرسوب في مادة التعبير فأراد الوالد أن يعرف السر وراء الرسوب المتكرر لابنه في مادة التعبير، فما كان منه إلا أن ذهب إلى المدرس وسأله عن سر ذلك الرسوب المتكرر، فكان جواب المدرس أن خروج الابن عن موضوع الامتحان، وحديثه المتكرر عن الجمل هو السبب وراء رسوبه الدائم في مادة التعبير.
طلب الأب من المدرس أن يعطيه أمثلة محددة على خروج ابنه عن موضوع الامتحان، فكان رد المدرس: لقد طلبت من التلاميذ في أحد الامتحانات أن يحدثونني عن فصل الخريف فكان جواب ابنك هو كالتالي: فصل الخريف من أجمل فصول السنة، تكثر فيه المراعي الخضراء، مما يتيح للجمل أن يشبع من تلك المراعي، والجمل هو حيوان أليف يصبر على الجوع والعطش لعدة أيام، وهو يُعرف بسفينة الصحراء، وينقل الجمل لأهل البادية أمتعتهم عند الترحال من منطقة إلى أخرى...إلى آخر ما جاء في حديث الابن عن الجمل.
لم يكن من الأب إلا أن قال للمدرس: ربما يكون السبب في خروج ابني عن موضوع الامتحان هو العلاقة التي تربط بين الجمل وموسم الخريف، فهل يمكن أن تعطيني مثالا آخر؟
فما كان من المدرس إلا أن رد على والد التلميذ الفاشل: بالتأكيد، يمكنني ذلك، أتذكر أني في امتحان آخر طلبت من التلاميذ أن يحدثونني عن الصناعة في اليابان، فما كان من ابنك إلا أن قال: تشتهر اليابان بصناعة السيارات، ولكن أهل البادية لا يستخدمون السيارة كوسيلة للنقل، بل يستخدمون الجمل بدلا منها، والجمل هو حيوان أليف يصبر على الجوع والعطش لعدة أيام، وهو يعرف بسفينة الصحراء...إلى بقية الحكاية.
وهل هناك من مثال ثالث؟ سأل الوالد.
المدرس : في امتحان ثالث طلبت من التلاميذ أن يحدثونني عن الحاسوب، فما كان من ابنك إلا أن قال : الحاسوب هو جهاز مفيد يكثر في المدن، ولكنه لا يوجد عند أهل البادية، فأهل البادية لديهم الجمل، والجمل هو حيوان أليف يصبر على الجوع والعطش لعدة أيام، وهو يعرف بسفينة الصحراء...
ولم يكن من الوالد ـ بعد أن أنهى الأستاذ حديثه ـ إلا أن أخرج ورقة وناولها للمدرس، وطلب منه قراءتها، وكانت الورقة عبارة عن شكوى كتبها الابن، وكانت على النحو التالي:
سعادة وزير التربية والتعليم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أتقدم لسيادتكم بتظلمي هذا، وفيه أشكو من مدرس مادة التعبير، وذلك بعد أن صبرت عليه صبر الجمل، والجمل هو حيوان أليف يصبر على الجوع والعطش لعدة أيام، وهو يعرف بسفينة الصحراء...إلى آخر الاسطوانة.
تذكرت هذه القصة الطريفة عندما استمعت إلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز وهو يلوم الأنظمة السابقة ويحملها مسؤولية غياب الصرف الصحي في العاصمة نواكشوط . والحقيقة أن حديث الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن الأنظمة السابقة وتحميلها مسؤولية كل المصائب قد تكرر كثيرا، وهو لا يختلف في جوهره عن حديث التلميذ الفاشل عن الجمل، ذلك التلميذ الذي لا يتوقف عن الحديث عن الجمل، حتى وإن طُلب منه أن يتحدث عن الحاسوب أو عن صناعة السيارات في اليابان.
إن تكرار حديث الرئيس عن الأنظمة السابقة، وتحميلها مسؤولية كل ما نعيشه اليوم من مشاكل، يفرض علينا أن نقدم له الملاحظات السريعة التالية:
1 ـ على الرئيس أن يتذكر دائما بأنه قد استولى على السلطة بالقوة، وأنه قد برر ذلك الاستيلاء بحجة مفادها أن سيادته تختلف عن كل الرؤساء المفسدين السابقين، وأنه قد جاء للإصلاح، ولذلك فإنه ليس من اللائق أن يقول لنا الرئيس بعد خمس سنوات من حكمه، بأنه ليس من حقنا أن نطلب منه تأسيس شبكة للصرف الصحي، وذلك لأنها لم تكن موجودة في العهود التي سبقته.
2 ـ على الرئيس أن لا ينسى بأن غرق مدينة الطينطان، وتقاعس النظام السابق عن إغاثة تلك المدينة المنكوبة، كان من بين الحجج التي برر بها انقلابه. فقط أود هنا أن أذكر الرئيس بأن العاصمة نفسها تكاد أن تغرق الآن وهو يواصل تفرجه دون أن يفعل شيئا.
3 ـ وعلى الرئيس أن يتذكر أيضا بأنه كان قد برر انقلابه بانشغال النظام السابق بالدراسات لذلك فقد كان من المعيب أن يقول لنا سيادته بأن الدولة في عهده ما تزال منشغلة بإعداد دراسات عن الصرف الصحي، وذلك بعد مرور خمس سنوات كاملة على استيلائه على السلطة.
4 ـ من المهم جدا أن يحافظ الرئيس على موارد الدولة، وأن يرشد تلك الموارد، وأن لا يسمح للصينيين بأن ينهبوها، ولكن على الرئيس أن يتذكر بأن الإنفاق على الصرف الصحي ليس تبذيرا، ومهما كان حجم المبالغ المنفقة. وعليه أن يتذكر أيضا بأن التبذير الحقيقي هو إنفاق مبالغ طائلة على مكتب الصرف الصحي، والذي قال مديره في مقابلة مع قناة محلية بأن المواطن هو الذي يتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية ما يحدث لأنه يشيد المساكن فوق مستوى الشارع، ولأنه لا يتجنب بسيارته الشوارع التي بها ماء. كما أن هذا المدير نفسه قد قال بأن إدارته ليست معنية إلا بتلك الأمطار التي لا يتجاوز مستواها 10 ملم، فأي فائدة ترجى من تخصيص ميزانية ضخمة لمثل هذا المكتب؟
5 ـ على الرئيس أن يعلم بأن من التبذير أيضا أن تنفق الدولة أموالا طائلة على تشييد طرق من قبل إنشاء شبكة للصرف الصحي، وذلك لأن العمر الافتراضي لتلك الطرق لن يكون طويلا، وذلك نظرا للتأثير السلبي للماء الراكد على تلك الطرق. كما أنه من التبذير أيضا أن تترك الدولة ممتلكات المواطنين تحت رحمة المياه، وأن تتركهم يخسرون في كل عام أموالا طائلة بسبب الأمطار، وهي أموال كان يمكن أن لا تضيع لو تم تشييد شبكة للصرف الصحي.
6 ـ من التبذير أيضا إنفاق مئات الملايين في كل عام على غرس الأشجار مع العلم بأن الرئيس نفسه كان قد اعترف أكثر من مرة بأن الكثير من تلك الأشجار لا يعمر بسبب الاستخدام السيئ للبلاستيك، وبسبب الدهس من طرف عجلات السيارات، أو من طرف أقدام العابرين. ونُذكر الرئيس بأن مشروع غرس مليون شجرة خلال خمسة أعوام لا يحتاج لمثل هذه الأموال الطائلة، ويكفي أن نعلم بأن منظمة غير حكومية في لبنان استطاعت لوحدها أن تغرس العدد نفسه (مليون شجرة) في عام واحد.
7 ـ على الرئيس الذي أعلن عن عجزه ـ وبعد خمس سنوات من الحكم ـ عن إنشاء شبكة صرف صحي، أن يتوقف عن غرس الأشجار، فربما تكون العاصمة بحاجة للكثير من الرمال الزاحفة، وذلك لحمايتها من الغرق، خاصة بعد أن أصبح من الواضح بأن النظام الحالي ليست لديه أي خطة لحماية العاصمة من الغرق.
8 ـ من حقنا أن نتساءل عن أهمية المليارات المكدسة في حسابات البنك المركزي، ما دامت تلك المليارات لا تستطيع أن تجفف بركة ماء متعفنة على أهم شارع في قلب العاصمة.
حفظ الله موريتانيا..