دخلت موريتانيا –عمليا- عهد تحرير الفضاء السمعي البصري قبل أقل من سنتين، وخلال هذه الفترة الوجيزة تم الترخيص لخمس قنوات فضائية وخمس إذاعات مسموعة، تعمل الآن على مدار الساعة..
هذا بالإضافة إلى عشرات الصحف الورقية والألكترونية، وعدد كبير من التجمعات والنقابات والراوبط الصحفية.. هي مرحلة جديدة على القارئ والمشاهد والمستمع، وعلى قطاع الإعلام العمومي ممثلا في وزارة الاتصال، تتطلب تكيفا مع هذا الواقع الذي أرادته السلطات العليا في البلد، أن يكون ثورة في الإعلام تتناغم مع "ثورة" التقنيات الجديدة التي غزت العالم من شرقه إلى غربه.
وكان لابد من إعادة هيكلة القطاع لتتلاءم مؤسساته مع الدور الجديد، في بئة خصبة لنمو المواهب، وتفتق العبقريات، طالما أن الوسائل متاحة وحرية التنافس مكفولة، وهامش الحريات العامة والخاصة يزداد اتساعا مع إشراقة كل شمس..
وهكذا تم تحويل مؤسسات: الإذاعة والتلفزيون وشركة البث الإذاعي والتلفزي إلى شركات مساهمة، لتصبح بالتالي مؤسسات للخدمة العمومية، ينطبق عليها ما ينطبق على نظيراتها في الإعلام الخصوصي (المستقل)، وانتهت بذلك عهود طويلة من الميوعة والتضليل الإعلامي الناجم عن الإفراط في "الرسميات"، تماما كما أفلت عهود الحظر والمصادرة، والحجب.. وغيرها من الأساليب التي لم تعد تنتمي لعصر كهذا الذي تسعى فيه موريتانيا لأخذ مكانتها اللائقة بين أمم وشعوب العالم.
ولأن المهمة الجديدة للإعلام العمومي تتطلب بالضرورة إعادة تكييف الجهاز الإداري المشرف على تطبيق السياسة الإعلامية للدولة، كان لابد من نفض الغبار عن وزارة الاتصال- وهي التي كانت لعقود طويلة، تتولى تكميم الأفواه، وتحجيم الحريات، بل وقطع الألسن عند "الضرورة"- وإعادة تأهيلها من جديد لتواكب المرحلة بكل ما تحمله من تحديات.
أوكلت المأمورية في بداية المشوار للسيد حمدي ولد المحجوب، الذي وضع اللبنة الأولى لتحرير الفضاء السمعي البصري، قبل أن يغادر القطاع، ولما يكمل بعد مهمة ترتيب البيت من الداخل، وهي مأمورية أنيطت بالوزير الحالي محمد يحي ولد حرمة. كانت أولى خطوات الرجل إعادة رسم ملامح المشهد الإعلامي بشكل عام،، فعمل على احتضان جميع الروابط والجمعيات والاتحادات والنقابات الصحفية، منهيا بذلك صفحة سوداء في تاريخ العلاقة التي تربط الوزارة بالصحافة والصحفيين، فلأول مرة تقف الوزارة على مسافة واحدة من الجميع، وترعى أنشطة الجميع، وتشرف عليها أيضا..
في الجانب الآخر تمكنت "التلفزة" الموريتانية من اقتناء معدات حديثة ومتطورة، تواكب الثورة الرقمية في عالم "الملتيمديا"، كما تسعى الإذاعة لبناء مقرات لمحطاتها الجهوية، وإذاعتي القرءان الكريم والشباب، ونجحت في إطلاق أول قناة قضائية متخصصة في القرءان الكريم وعلومه، ونظمت حتى الآن نسختين من أكبر مسابقة للقرءان تشهدها البلاد، هذا فضلا عن الندوات الشهرية والأيام الإذاعية المفتوحة التي تناقش مختلف القضايا الوطنية والإقليمية وبكل حرية..
فضلا عن ذلك أعطى الوزير الحالي تعليماته الصارمة بفتح وسائل الإعلام العمومية أمام جميع الآراء مهما تباينت، وأزاح الخطوط الحمر التي كانت تكبل الصحفيين وتحد من إبداعاتهم ومواهبهم..
رغم كل ذلك مازال في الأرض مشككون، يتهامسون، يتغامزون، يبيتون على موقف ويصبحون على نقيضه، تارة في أقصى اليسار، وأخرى في أقصى اليمين، وللأسف الشديد فإن من بينهم إعلاميين، يتحالفون طورا مع الإخوان، وطورا مع جناح الكادحين، وطورا ثالثا مع ليبراليي التكتل، همهم الوقيعة والدسيسة هنا أو هناك..
هؤلاء ينشطون في الليل فقط، تماما كالخفافيش التي تعميها خيوط الفجر الأولى، فما بالك بالشمس وهي في رابعة النهار..؟