سألني أحد القراء الكرام(على الفيس بوك)، عن الاسم العربيّ للحشرة المعروفة- عندنا في موريتانيا- ب"الْفَارْسِيَّه"، وعن الاسم العربيّ لما يُعرَف –عندنا- ب "تَجْمَخْتْ". ونظرا إلى أنّ هذا السؤال، جاء في الوقت الذي أقوم فيه ببحث بعنوان: تفصيح العامية أركِّز فيه على العامية الموريتانية (الحسانية)، فقد ارتأيتُ أن أتوسَّعَ- نوعا مّا- في الموضوع. وذلك على النحو الآتي:
جاء في فقه اللغة لأبي منصور الثعالبيّ: (النّار الفارسية: نُفّاخات ممتلئة ماءً رقيقا تخرج بعد حِكَّةٍ ولَهَبٍ). ومع أنّ النار الفارسية- حسَب بعض المصادر- تُطلَق على أنواع مختلفة من البثور والقروح، فإنّ الوصف - الوارد في كتاب فقه اللغة- قريب ممّا يُعرَف في موريتانيا ب "بَول الفارسية" الذي يشبه آثار الحروق. على أساس أنّ "الفارسية" حَشَرة تنشط ليْلًا في ظروف مُناخية مُواتية (في فصل الخريف عادة)، حيث تخضر الأرض والأشجار وتكثر الزهور. وقد تكون النُّفاخات المذكورة ناتجة من سقوط بول هذه الحشرة على جسم الإنسان(وهو الاعتقاد السائد عندنا في موريتانيا)، وقد يكون مصدرها لُعاب هذه الحشرة أو غير ذلك من إفرازاتها. ومن المعلوم أنّ الحشرات قد تختلف من بلد إلى بلد، ومن منطقة إلى أخرى داخل البلد الواحد. وما دام الأمر كذلك، فإنّ أهل البلد أدرى بوضع أسماء للحشرات الموجودة عندهم، إذا لم يجدوا في المعجم اللغويّ أسماء عربية لها، وذلك بالاعتماد على ماهو متداول، والعمل على صبغه صبغة عربية. وينطبق هذا الحكم على"الفارسية". بمعنى أنه لوكان عندنا مَجْمَع لغويّ لأدخل هذا المصطلح في المعجم العربيّ الحديث. لقد أشرتُ، في مقالات سابقة، إلى ضرورة تأسيس مجمع للغة العربية في بلادنا، يكون ضمن برامجه ومشروعاته تفصيح العامية الموريتانية(الحسانية)، بما في ذلك توحيد أسماء الأشجار والنباتات والحَشرات وغيرها، على المستوييْنِ: المحليّ والعربيّ، بالتعاون مع مجامع اللغة العربية الأخرى. ولعل المَجْمَعَ الموريتانيّ - المأمول تأسيسه- يعتمد هذا المصطلح( الفارسية) للتعبير عن هذه الحشرة، وقد يوجد اسم عربيّ لها في بلد عربيّ آخر.
وبخصوص "تَجْمَخْتْ"، أو "تِيفنْكرانْ"، فهي من ثمار شجرة"التَّيْدُومُ" (le baobab). ويبدو- والله أعلم- أنّ هذا المصطلح الموجود في بعض المعاجم الأجنبية( ومنها المعجم الفرنسيّ)، هو من أصل عربيّ (أبو حباب). وجاء في المنهل (معجم فرنسيّ/عربيّ): le baobab: باأوباب، حُمَيْرَة: شجر استوائيّ عريض الجذع في ثمره لُبٌّ يُؤكل. وفي بعض المراجع، نجد: باوباب، بحذف الهمزة(خلافا لما ورد في المنهل). والاسم العلميّ لهذه الشجرة، هو: adansonia digitata. وتوجد هذه الشجرة في بعض البلدان الإفرقية، كما توجد في الهند. ومن البلدان العربية التي توجد فيها: موريتانيا، والسودان(بكثرة)، واليمن(بعدد أقل). وفي السودان –حسَب بعض المصادر- يُطلِقون على شجرة "التَّيْدُومْ"(الباوباب): التبلدي، وعلى"تَجْمَخْتَ": القنقليز. وكل هذا يؤكد ضرورة توحيد المصطلحات، على مستوى العالم العربيّ، وإدخال هذا النوع من الألفاظ المتداولة في المعجم اللغويّ العربيّ الحديث، بعد ضبطه وتشذيبه، حتى يكون مستساغا وقريبا – قدر المستطاع- من الأوزان العربية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.