المجتمعات في العالم المتقدم هي التي صارت تتحكم في مصائرها ، والمنتخبون المحليون هم الذين يقعون تحت رحمتها، يعاقبونها إذا أرادوا ويجددون لها انتخابيا إذا كان العكس، لن أقدم مثالا على الرقي المجتمعي في ما يحدث في فرنسا أو أمريكا أو بريطانيا مثلا ، لا، سأقدم مثالا بمجتمعات دول أروبا الشرقية التي إلى عهد قريبا
كانت توجد بها أنظمة استبدادية ، سنتذكر هنا الثورات البرتقالية والوردية ..إلخ التي قامت هناك رافضة للذل للمهانة ، مطالبة بالحرية والعدل والمساواة، فأين مجتمعنا من هذه المطالب المشروعة؟ ، والتي ستحقق له رقيا وتقدما مطلوبين.، هل مجتمعنا يستطيع أن يضغط حتى يغير نظاما ما ؟ هل يمكن أن يتفق أصلا على فكرة رائدة ستساعده؟
لاحظوا مثلا أننا مجتمع يعيش تحت الصفر، مجتمع مريض، يحتاج إلى إعادة غربلة وتكسير للكثير من القيم المقَيِدة ، نحن نمشي عكس التيار ونمجد السحرة والمشعوذين والدجالين وننساق خلف الشائعات بل ونغذينها كل على مستواه ، مجتمع يكذب الكذبة ويصدقها و في المقدمة مجموعة السياسيين.
دعوني أعود لذكر قضية مهمة تحتل الصدارة في بقاء هذ المجتمع في القاع، هي قضية الانقلابات ، فهل يذكر أحدكم أننا وقفنا في وجه انقلاب ما حتى افشلناه، مستحيل! أنا لا أتحدث هنا عن الأحزاب السياسية التي تحشدنا كالبهائم للهتاف في قضايا لا نفهمها، أتحدث هنا عن مظاهرات عفوية تخرج ضد أقصر وسيلة لحكم موريتانيا، بل لتدميرها، نحن نلعن هؤلاء الانقلابيين ونتذكر حينها كل المساوئ والفضائح التي ارتكبوها وبالمقابل نمدح ه يستحق أدنى لا تتوفر فيه مطلق، فهل مجتمع هذا حال بصفاةالانقلابي الجديد ونصفه حتى احترام وتقدير، لا أتحدث هنا عن كون مجموعة الانقلابيين لا يستحقون اللعن، بالعكس بل يستحقون ما هو أكثر من ذلك، يستحقون السحل في الشوارع ، وردت هذه انقطة هنا للإشارة إلى أن هذا المجتمع لا يتوفر على أي موقف ولا قيم يدافع عنها وشعب هذا حاله حريٌ به ما يتعرض له من إهانة.
مدنيا حدث ولا حرج، وعلى كل المستويات ، لا احترام للقانون ، سائق التاكسي يحتقر القانون، المواطن العادي يحتقره كذلك، بل حتى رجل القانون نفسه يحتقره ، أما العدالة فمنتهكة من رأسها إلى أخمص قدميها، انتهكت من قبل من يفترض بهم تطبيقها فماذا تتوقعون من المطبقة في حقهم ، ومن تجليات عدم الثقة في العدالة ،ويمكن أن يكون كذلك من جهل المجتمع لها، هو أنه بمجرد اعتقال لص مال عام أو لص قنينة غاز تجتمع القبيلة وتتظاهر وتضغط بالنسبة لسارق المال العام، ويجتمع أهالي سارق قنينة الغاز والنتيجة إطلاق سراح الجميع ،فأي مجتمع هذا؟ إنه مجتمع يعيش على احتقار نفسه.
في الفترة الأخيرة برزت مشكلة مياه الأمطار وشكلت كارثة لا تزال مخلفاتها بادية للعيان، والمتضررون كثر، لكن ضعف الثقافة المدنية للمجتمع أبقتهم في الوحل ، في مستنقعات ممرضة إلى أقصى الحدود، يزيد احتمالية المرض هذه عندما يقدم بعضكم على رمي محتويات بالوعات الحمامات في هذه المياه في تعبير صارخ عن جهل مترسخ إلى أبعد الحدود، ومع ذلك كله لا مظاهرة ، لا احتجاج من أي نوع، فهل تنتظرون من يأتي ليسحبكم مما ارتضيتم لانفسكم البقاء فيه؟
السلطات الحكومية فاشلة كالعادة مرتبكة ولا تدري ما ذا تفعل، وهو ما يعبر عن سوء التدبير والتخطيط، فمنذ سنوات بعيدة ونفس الظاهرة تتكرر، لكن ليس هناك من يأخذ العبرة مطلقة ، فقط الصراع على المناصب السياسية وليذهب المجتمع إلى الحضيض، فهو قابل للخداع دائما.
نواحي عديدة تدلل على جهل هذا المجتمع ومرضه ، نذكر هنا مسألة الاغتصاب التي باتت تتكرر كثيرا خصوصا في الفترة الأخيرة ، فبدلا من الأخذ بيد الضحية وعلاجها نفسيا وبدنيا نتوجه إليها بالشتم و السب ونتهمها بالتسبب في الحادثة ، وغالبا ما يبقى الجاني حرا طليقا وإذا حدث أن اعتقل فوقفة من أهله أمام العدالة كفيل بإطلاق سراحه بعد أيام وكأن شيئا لم يكن بالمرة ، إذا ألا تستحق هذه الجريمة البشعة والتي يمكن أن تتعرض لها أي فتاة أن يخرج المجتمع في مظاهرة عفوية منددة بها ؟ لكن يبقى المجتمع مريض كالعادة، يذبح وهو ساكت.
أذكر كلمة قالها سائق سيارة أجرة قبل أيام لما كان يرد على أحد الركاب الذي اعتبرهم انتهازيين لفرضهم مائتي أوقية كأجرة للتاكسي، قال له ، تحتجون دائما لما نفرض هذا المبلغ، لكن هلل تظاهرتم مثلا ضد ارتفاع اسعار المازوت؟ هل تظاهرتم عفويا ضد ارتفاع الاسعار؟ هل تظاهرتم ضد سرقة المال العام؟ ثم ختم نحن شعب لا يجيد إلا الكلام فقط ولا شيء غير الكلام.