المطر ...ذلك الغيث المنتظر، يقول الموريتانيون:" إن المطر لا يفسد أكثر مما يصلح" تعتمد حياة الكثير من الموريتانيين على المطر، فكلما زاد منسوبه السنوي،زادت نسبة تحسن معيشة هؤلاء، والعكس صحيح.
ولكن ربما يصدق هذا الكلام على البادية، وأهلها، الذين يعتمدون على التنمية الحيوانية، أما في مدننا، وخاصة العاصمة انواكشوط، فيبدو أن للمطر مفعولا آخر، وقد يفسد هنا بالتأكيد أكثرر مما يصلح، لكن يجادل البعض: ليس العيب في المطر، بل في السلطات المتعاقبة على هذا البلد، التي لم تشيد شبكات للصرف الصحي، إذا "نعيب زماننا والعيب فينا".
وما يفاقم مأساة سكان انواكشوط مع المطر هو غياب الحس بمعاناة المواطن البسيط لدى السلطات، وضبابية مفهوم "الكارثة" الطبيعية عند المسؤولين الموريتانيين، فمجرد حريق كبير، أو سيول عادة، يعتبر "كارثة" في بعض الدول، تستنفر السطات إمكانيات الدولة لمواجهة آثارها، والحد من تبعاته السلبية على مواطنيها، أما في موريتانيا، فتغرق معظم شوارع المدينة، وتشل الحياة فيها تماما، ومع ذلك يعتبر هذا أمرا عاديا، لا يتطلب من السلطات أكثر من إرسال بضع صهاريج لشفط المياه، في عملية تبدو أقرب إلى ألعاب أطفال، منها إلى جهود، ووسائل دولة تساعد مواطنيها في مثل هذه الحالات.
رئيس الجمهورية (أعلى هرم في السلطة) تناول الموضوع فقال: إنه يهنئ الشعب الموريتاني على تساقط هذه الأمطار،أما سكان انواكشوط فعليهم أن يتحملوا المعاناة، ويصبروا، ويدفعوا ضريبة فشل الأنظمة السابقة في بناء شبكة صرف صحي، فمسؤولية معاناتهم مع الأمطار لا تقع على عاتق النظام الحالي، مع أنه حاول بناء صرف صحي، لكن تكاليفه المادية كانت كبيرة (أو كما قال محمد ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية) فماذا يقول سكان العاصمة؟؟ هو عذر أقبح من الذنب!!ّ! فغذا كانت الأنظمة السابقة تتحمل المسؤولية عن غياب صرف صحي عن انواكشوط، فمن يتحمل مسؤولية مساعدة المواطنين اليوم في هذه الكارثة التي خلفتها الأمطار؟؟؟ هل هي الأنظمة السابقة أيضا؟!!! أم من بيده مقاليد الحكم حاليا، ومن يتحكم في مصير، وثروات الشعب اليوم؟؟ّ!! أم كتب على هذا البلد أن يظل حكامه دائما "كلما جاءت أمة لعنت أختها" ؟؟
إن أزمة الأمطار في انواكشوط هذه الأيام تملي على الجميع التفكير مليا في كيفية مواجهة حالات هذه، وبناء منظومة متماسكة، وحديثة للدفاع المدني، قادرة على مساعدة المواطنين في أوقات الكوارث، والأزمات، كما أن على المواطن عموما، وسكان انواكشوط خصوصا أن يمتلك ثقافة الدفاع المدني الذاتي – إذا جاز التعبير- فعلى المواطنين أن يطلعوا على مبادئ الإنقاذ، والإسعاف الأولي، والإجراءات الضرورية في مثل هذه الحالات، فبعض الدول المتحضرة يأخذ المواطنون دورات تكوينية في الدفاع المدني، والإسعاف الأولي، مما يساعدهم على التخفيف من أضرار الكوارث، مثل الفيضانات، والزلازل....الخ كما يساهم في تسهيل مهمة الدولة في الإنقاذ، والمساعدة.
فالتعامل مع مثل هذه الحالات يكون على مستويين، الأول: الوقاية منها، والثاني: التعامل معها بعد وقوعها، وكلا المستويين شبه غائبين عن سكان انواكشوط، فلا استعدادات للوقاية من تجمع هذه البرك، والمستنقعات، ولا وسائل للتخفيف من ضررها، وآثارها السلبية على السكان، فانواكشوط تحولت منذ نحو أسبوعين إلى مجموعة من الجزر تصعب الحياة فيها، إلا إذا كانت السلطات تريد من سكان انواكشوط أن يجربوا العيش ك"برمائيين"!!.
أزمة الأمطار في انواكشوط هذه الأيام كشفت كذلك عن ظاهرة بالغة الخطورة تتمثل في استخدام معاناة المواطنين وقودا للصراع السياسي بين النظام، والمعارضة، في تجسيد واضح لمقولة "الطفل يلعب، والطير في سياق الموت" فعندما تهاطلت الأمطار على انواكشوط بغزارة، أعلن عمدة بلدية في العاصمة أنها باتت "منطقة منكوبة" بما يترتب على ذلك في الأعراف الإغاثية، وبما أن هذا العمدة من المعارضة، لم تستجب السلطات لندائه، وفي انتظار حسم خلاف المعارضة، والنظام، ترك سكان تلك البلدية الأكبر في العاصمة يواجهون مصيرهم بأنفسهم!! هذه إذا بعض الدروس المستخلصة من أزمة الأمطار في العاصمة هذه الأيام، فمن سيستفيد من هذه الدروس، في الاستعداد لما هو أسوأ؟؟؟