ثرواتنا كثيرة ومتنوعة وثمينة، ومع ذلك فنحن تحت خط الفقر، ووسط دائرة التخلف، ونتخبط في مربع البؤس الاقتصادي والاجتماعي. أموالنا من سمك وحديد ونحاس وذهب، ينهبها الآخرون أمام أعيننا، ونحن بلا حول وبلا قوة، حتى على الصراخ في وجوههم..!!
تذكرني وضعيتنا الاقتصادية ببيت شاعر عربي قديم :
(أرى فيأهم في غيرهم متقسما وأيديهم من فيئهم صفرات)..!!
لذهبنا دول ومؤسسات تنهبه، كما لحديدنا دول ومؤسسات تمحقه، تماما كما يتكالب الأجانب على سمكنا ونحاسنا، فلاحظ لنا من تلك الثروات إلا حظ "البغايا ما لهن نصيب" على حد تعبير الشاعر الرائع نزار قباني..!!
ولسنا بحاجة للبحث عن سبب ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، فتلك متاهة قد لا نخرج من دائرتها أبدا..
ومع ما بنا من عوز وفقر وبؤس وفاقة، فإنني سمعت أن رئيسنا المفدى، وعد السنغاليين بأنه سيصدر لهم ما يسد حاجياتهم من الكهرباء، وفقا لاتفاقية تعاون مشترك بين البلدين..!!
وأنا مع دعم الروابط الأخوية بين شعبينا وبلدينا ويعجبني رئيس يحمل هموم جيرانه وإخوته، يحمل عنهم الكل ويعينهم على نوائب الدهر، بل ويؤثرهم حتى على أبناء وطنه، ولا أرى غضاضة حتى في أن يذبحنا الرئيس جماعيا لإطعام الشعب الصومالي مثلا..!! ( نحن أحفاد الصعاليك الذين كانوا يعرضون أنفسهم للذبح إطعاما للضيوف وينحرون إبلهم وينضجون حتى أحذيتهم لإطعام عابر السبيل)، ولكن هل حصلنا في موريتانيا على ما يكفى من الكهرباء..؟
وهل لدينا فائض للتصدير..؟
وهل يمكن لرئيس أن يقفز على الواقع ويتجاوز مغالطة رأيه العام الوطني إلى مغالطة إخوته وجيرانه لإقناعهم بـأن بمقدوره أن يعطيهم ما لا يملك..؟
يعرف كل الموريتانيين أننا لا نتوفر على حاجتنا من الكهرباء، فمعظم مدن الداخل وقراه تعيش ظلاما دامسا طوال الوقت، وهنا في العاصمة نعيش يوميا الإنقطاعات المتكررة والمرتبكة والمتذبذبة للتيار الكهربائي، وقل أن تنعم كل مقاطعات العاصمة التسع بذلك التيار في وقت متزامن..!!
فعندما تضيء "تفرغ زينه" يكون لزاما على "الرياض" أن تغرق في الظلام، وعندما تغرق "توجنين" في الظلام، تستفيد"السبخة" من عودة التيار وهكذا، بل إن الإنقطاعات تذكرك ب"مطر شهر أغشت" الذي يقول الموريتانيون إنه قد يبلل قرن البقرة الجاثمة في مكانها دون أن يشعر به قرنها الآخر، فأنت تلاحظ أحيانا أن طرف أحد الشوارع مضاء تماما، بينما يسبح الطرف المقابل له في ظلام دامس رهيب..!!
حتى مستشفياتنا ينقطع عنها الكهرباء بشكل شبه يومي، ومرة في أحد أكبر مستشفياتنا انقطع التيار الكهربائي، وانفجر المولد الاحتياطي، فعاش المرضى والمرافقون والطاقم الصحي ليلة صعبة ومأساوية بدون أية إنارة، لدرجة الاستعانة بالشموع المصنعة، وأعواد الثقاب لصرف الأدوية، ومراقبة المرضى، وطبعا لا سؤال عن الذين فقدوا أرواحهم تلك الليلة لغياب إمدادات الأوكسجين وتعطل أجهزة الإنعاش والجراحة والتوليد، ولاعن الأدوية التي تعرضت للتلف بعد غياب التبريد والتخزين المناسب، ولا حتى عن الأضرار المادية والمعنوية والنفسية التي لحقت بالجميع أطباء ومرضى ومرافقين وغيرهم في تلك الليلة الليلاء..!!
إنني أتساءل من أين للرئيس بالكهرباء ومدنه غارقة في الظلام..؟!!
ولماذا يعد السنغاليين بخدمة لم يوفرها لمواطنيه..؟!!
إن كل المحطات التي نملكها والمولدات التي تغذى شبكة كهربتنا الضعيفة البائسة المهزوزة والتي تعانى إلى جانب الفوضى والتسيب، غياب الصيانة ونهاية العمر الافتراضي، هي بالأساس هبات ومنح من دول صديقة وشقيقة كالعراق أيام كان عراقا، والسعودية، والصين، والجزائر، ودول وهيئات أخرى شقيقة وصديقة،ومن الأكيد أن للسنغاليين علاقات أقوى وأوسع وأعمق ببعض تلك الدول التي تمنحهم ومنحتهم دائما ما هو أثمن وأهم من تقوية شبكتهم الكهربائية، ولو فكر السيد ماكى صال قليلا لطلب من تلك الدول دعمه كهربائيا، بدلا من الاعتماد على وعد من رئيس يعانى بلده نقصا حادا ومخجلا في إمدادات الكهرباء، إلا إذا كان السيد ماكى مهتما بنقل عدوى انقطاع التيار الكهربائي إلى شبكته المحلية التي تكفى توصلة موريتانية كهربائية بسيطة لإصابتها بعدوى الإنقطاعات المزمنة، والتورمات الحادة، والنزف الغامضة..!!
ونحن كموريتانيين من حقنا أن نستغرب خطوة رئيسنا الذي يمنح الكهرباء للآخرين وهو العارف بأننا نعانى الأمرين جراء ضعف شبكتنا العجوز، التي تجاوزت سن اليأس، وأصبحت من"القواعد من الشبكات" ومن حقنا أن نقول له يا صاحب الفخامة: أتعطيهم "منحة" الكهرباء، لتتركنا في "محنة" الظلام..؟!!
سيدي الرئيس: ما في المدينة أحوج منا..!!