لقد قررت في صبيحة هذا اليوم، وبعد ليلة ممطرة أن أتخذ قرارا شجاعا وجريئا.. حقا إنه لقرار جريء وشجاع.. أتدرون ما هو هذا القرار الشجاع والجريء؟
لقد قررت بمحض إرادتي، ودون إكراه من أي جهة خارجية، أن أذهب إلى قلب العاصمة مع العلم بأن لا أملك زورقا، ولم أتدرب من قبل على السباحة.
أثناء اتخاذ هذا القرار الشجاع والجريء تمنيتُ لو أن الحكومة بدورها اتخذت مثلي قرارات شجاعة وجريئة ما دامت عاجزة عن إنشاء شبكة للصرف الصحي.
أتدرون ما هي القرارات الشجاعة والجريئة التي تمنيتُ لو أن الحكومة اتخذتها في مثل هذه الأيام؟
تمنيت لو أن الحكومة قررت أن تؤسس ـ وعلى وجه الاستعجال ـ معهدا لتدريب المواطنين القاطنين في العاصمة على السباحة وعلى عبور البرك والمستنقعات.
وتمنيتُ أيضا لو أن الحكومة استوردت عشرات الزوارق من جمهورية إيران الإسلامية، وأنها أسست بتلك الزوارق "الشركة العامة للنقل البحري بين أحياء العاصمة".
وتمنيت لو أن الحكومة أعلنت عن مرسوم في مجلس الوزراء القادم يقضي بإنشاء وزارة للصيد في المياه العكرة بنفس الحماس الذي أعلنت به في مجلس الوزراء الماضي عن استحداث منصب نائب وشيخ لمقاطعة الشامي المستحدثة.
ولم تتوقف أمنياتي المشاكسة عند هذا الحد، بل إني تمنيت لو أن الرئيس اتخذ قرارا شجاعا وجريئا يقضي بتحويل مقر وزارة المياه والصرف الصحي إلى إحدى البرك بمقاطعة السبخة، وإلى تحويل سكن الوزير إلى حي سوكوجيم، في حين يتم تحويل أبنائه إلى أقدم مدرسة بالعاصمة، أي إلى المدرسة رقم 1 بلكصر وذلك لكي يواصلوا دراستهم هناك في فصول تحيط بها البرك والمستنقعات على مدار السنة.
ولو أن الرئيس اتخذ مثل هذا القرار، وألزم وزير الصرف الصحي بالعيش لمدة أسبوع بين مكتبه في السبخة وسكنه في سوكوجيم، لأبتدع هذا الوزير حلا ثوريا لمواجهة البرك والمستنقعات الآسنة.
وعموما فإن مثل هذا القرار سيجعل وزير الصرف الصحي يكتشف جمال العاصمة نواكشوط، والتي قال عنها الوزير ـ وبجرأة يحسد عليها ـ بأنها تعيش في هذه الأيام أفضل أيامها.
وتبقى أمنية أخيرة لعلها من أكثر أمنياتي مشاكسة. لقد تمنيت أن يقرر عشرة مواطنين على الأقل تنظيم مسيرة بالسطل في اتجاه القصر الرئاسي، فيأتي كل واحد منهم بسطل مملوء بماء متعفن من إحدى البرك في حيه، ويفرغ ما في ذلك السطل من ماء متعفن أمام القصر الرئاسي كتعبير رمزي عن استيائه من العيش في عاصمة بلا صرف صحي.
وبالتأكيد فستبقى تلك مجرد أمنيات مشاكسة لن تتحقق إطلاقا خاصة منها تلك الأمنية الأخيرة.
ستبقى العاصمة نواكشوط كما هي، ستبقى هي المدينة الوحيدة في هذا العالم التي شاخت وهي ما تزال فتية، وربما تموت ـ لا قدر الله ـ وهي ما تزال في عز شبابها، إذا ما صدقت تلك الدراسات التي تتوقع غرقها بعد سبع سنوات.
شاخت العاصمة نواكشوط رغم شبابها، شاخت شوارعها، مبانيها، سياراتها، بركها ومستنقعاتها، شاخ كل شيء فيها، وكأنها مدينة تأسست منذ مئات السنين. ويبقى سؤال مشاكس..
هل تستحق هذه العاصمة الشاحبة أن يسكنها غيرنا؟
وهل نحن بدورنا نستحق غير هذه العاصمة الشاحبة؟
لقد خلقنا نحن لهذه العاصمة الفريدة من نوعها، ولقد خلقت هذه العاصمة لنا نحن الذين نختلف عن كل شعوب العالم، بسلبيتنا، بلا مبالاتنا، بعدم اكتراثنا، وبعدم وطنيتنا.. وقديما قالت العرب:
لقد وافق شن طبقة.
حفظ الله موريتانيا..