تختلف آراء فقهاء القانون والباحثين حول الديمقراطية من حيث الأهمية والصلاحية والمكانة، لكن أغلبهم يجمع علي أنها لا تعني وقوف الناس طوابير أمام صناديق الاقتراع، غير أنها تبقي العلامة التي يحكم من خلالها على شكل النظام .
فالظروف العامة التي تسبق كل انتخابات، مهمة قي الدلالة على مدى حريتها , والظروف التي تجري فيها تدل على مدى مصداقيتها. لكن أن تتعطل الانتخابات كلية في مجتمع فتلك دلالة على شيء أخر.
إن الأزمة السياسية الموريتانية التي كان يفترض أن تنتهي بعد الانتخابات الرئاسية 2009م استمرت بعد أن عجز قادة المعارضة عن استيعاب وهضم حقيقة أن محمد ولد عبد العزيز فاز بأصوات اثنين وخمسين بالمائة من الشعب, خلافا لكل توقعاتهم وحساباتهم,وقد أسهمت تلك الأساليب التي أتبعتها خصوم الرئيس ابتداء من التشكيك في نزاهة الانتخابات ثم الدعوة إلي تأجيل تجديد ثلث الشيوخ وصولا إلي دعوات الرحيل التي استمرت إلي عهد قريب ,أسهمت إلي جانب عوامل موضوعية من قبيل إصلاح الحالة المدنية في جر البلد إلي وضعية أصبحت اليوم حرجة بعد انتهاء مأمورية البرلمان والبلديات بل تقترب من وضعية الخطر مع اقتراب انتهاء مأمورية رئيس الجمهورية و التي بانقضائها تنقضي شرعية كل السلطات في البلاد ما عدى السلة الرابعة .
إن على رئيس الجمهورية بوصفه المسئول الأول عن حماية الدستور والأمن الوطني والسلم الأهلي .
أن يختار بين قرارين لكل منهما عقباته و تبعاته .
أولهما: العزم وخوض الانتخابات في الأجل الذي قد حدد سلفا بمن حضر.
إن هذا الخيار ولقلة الزمن المتبقي يقتضي تسريع المفاوضات السرية والمعلنة بين الحكومة و المنسقية والبدء في الاجرءات العملية لإجرائها باللجنة المستقلة للانتخابات الحالية أو المعدلة ونشر اللوائح المنتقاة لمرشحي حزب الاتحاد و إعلانها بشكل سريع يسمع لغير الراضين عن ترشيحات الحزب, بلوج لوائح أحزاب الأغلبية الداعمة أو المعارضة المحاورة مما سيوفر نسبة مشاركة مرتفعة في الانتخابات الموعودة. لتنفيذ هذا الخيار تبعات عقبات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار, وهي :
-1)احتمال بروز خلافات بين الأغلبية الداعمة للرئيس إلي العلن قبل الانتخابات الرأسية 2014.
2 ضبابية العروض المقدمة لنيل ترشيح الحزب الحاكم: يشكل تعدد العروض المقدمة في كل مقاطعة و بلدية اليوم لنيل الترشيح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية عقبة أمام اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب, حيث يبذل بعض أصاحب تلك العروض الغالي والرخيص بغض النظر عن حقيقة ما لديهم من المؤهلات العلمية والسيرة الحسنة لنيل ذلك التكليف, ويعتمدون في هذه العملية علي الأموال لشراء الذمم, وتتخذ أشكالا من أكثرها بشاعة هو إغراق بعض المقاطعات بناخبين لا يمتون لها بصلة سوا أن من دفع لهم أراد أن يقفز علي إرادة الساكنة المحلية والحيلولة دون أاختيارهم لممثليهم من بينهم, و هو ما يهدد بظهور برلمان يضم في ظاهره أعضاء يحملون شعار أحزاب الأغلبية الداعمة وفي باطنه خليط من أصحاب رؤوس الأموال والنفوذ و الوبيات القبلية والجهورية والعرقية من جميع مناطق الوطن و هؤلاء سرعان ما يتقاعسون عن مسئولياتهم اتجاه من مثلوهم عنوة فيرتد غضبهم تذمرا وسخا علي الأحزاب التي ساهمت حملهم علي أعناق الناس
3 -احتمال عدم مشاركة منسقية المعارضة مجتمعة وبالتالي نقص شرعية هذه الانتخابات محليا ودوليا .
وهذا الاحتمال صعب التحقق لا لقلة أهمية ما يجمعها ولكن لكثرة اختلاف المصالح الحزبية بينها والتي تعتبر أولوية كل حزب علي حد, وهنا يمكن النظر إلي بعض ذالك مثلا :
ا) تكتل القوى الديمقراطية :هو الحزب المعارض العتيد ومدرسة وزراء النظام الحاكم على مر التاريخ القريب
ولكنه اليوم يختلف عن ما كان عليه قبل انقلاب 2005 ويختلف كذالك عن ما كان عليه خلال الفترة الانتقالية .
فقبل 2005 كان أفراده باستثناء المكلفين بالمهمة من الصابرين و الصادقين وهؤلاء, منهم من قضى نحبه أمثال اليدالي ولد الشيخ ومحمد ولد هارون وتأثر لغيابهم الوطن كله, ومنهم من ترجل لأسباب صحية أو أسباب أخرى من أمثال النائب البرلماني العالم ولد أحمد يعقوب الذي كان بإمكانيات متواضعة جدا يحقق انتصارات عظمى للحزب في انشيري ونواكشوط ونواذيبو ومنهم قطعا من ينتظر .
وبعد 2005 جاءت موريتانيا للحزب أشتاتا لكنها ما لبثت آن خرجت منه أفواجا بعد أن قطعت الشك باليقين و ربما بشكل أربك وهز تلك القواعد الصابرة والتي كان يعول عليها أيام شدة. أما واقع الحزب اليوم فظاهره نخبة أطر من أبناء بعض مناطق الوطن لكن كفائهم في الحكومة والوزارات السيادية وحسب المراقبين فان الأخيرين لن يتركوا شيئا من الكعكة الانتخابية للأولين لأسباب معروفة, وهذا الحزب اليوم لكبر سنه وعراقته سيناور كثير من اجل أن لا يدخل امتحان غير محسوب العواقب .
ب)حزب اتحاد قوى تقدم: وهو حزب ايدولوجيا قديم يتنازعه طموحان طموح الرئاسة لكونه يقوده رجل متمرس ومؤهل طرفيا لأن يكون مرشحا تصطف ورائه المعارضة في انتخابات 2014 .
وطموح شعبي لان قواعده الشعبية تريد أن تشارك في الانتخابات لأنها لا تعول و لا تنتظر شيئا جديدا مهما تغيرت الظروف.
ج ) حزب تواصل : حزب ايدولوجيا إسلامي محظوظ لان الربيع العربي انتهى قبل أن يصل إلي لبلاده, وبالتالي فانه سيتعامل بعقلانية وواقعية وفق سنة التدرج , بعيدا عن القفزات الطويلة التي تعصف بتونس وتكاد الآن تحرق مصر,و هو ربما من سيقود المشاركين في الانتخابات البرلمانية والبلدية القادمة .
ولاشك انه يتخوف كذالك من فقد موقعه كمتحدث باسم الإسلام إذا ما أوجدت الانتخابات برلمانيين من أعضاء رابطة العلماء أو رابطة الأئمة ينتمون للحزب الحاكم.
وفي المقابل ستتمكن موريتانيا بعد خوض الانتخابات المزمعة بكل حرية و نزاهة وتحت إشراق دولي وإقليمي من:
1) تحقيق الانجاز الأهم منذو أعوام: وهو العودة إلي الحالة الديمقراطية الطبيعية وستكون مقاطعة أي حزب أو مجموعة أحزاب في ظل هذه المواصفات إن تحققت عديمة الأثر أمام هذ الحدث المصيري والهام.
2- سيساعد خوض الانتخابات في موعدها رئيس الجمهورية قبل الانتخابات الرئاسية, علي امتصاص موجات غضب الساخطون آيا كانت دوافعهم, وبتالي تجنب تجربة جارتنا السنغال حيث يأمل البعض أن تتكرر قي موريتانيا. .
و أما الخيار الثاني أمام رئيس الجمهورية فهو الدخول في مفاوضات جدية وجديدة مع المنسقية من اجل مشاركة الجميع في الانتخابات القادمة.
هذه المفاوضات ستأخذ مع حسن النية إن توفر في الغالب أكثر مما يفصلنا من انتهاء مأمورية الرئيس, وبالتالي سترسو سفينتها على مطالب تشبه مطالب شعوب قي دول الربيع أو التبه العربي, من قبيل انتخاب لجنة تأسيسية وحكومة إنقاذ وطني تعنى بكل شيء, من اسم الوطن و ونشيده و هويته وحتى شكل النظام وهيكل الدولة والمجتمع. إن هذا الخيار مخاطرة بالبلد قد تدخله قي دوامة من عدم الاستقرار وتفتح الباب واسعا أمام الطامعين والطامحين إلي تحقيق مئارب شخصية يضربون في سبيلها عرض الحائط بأمن البلد واستقراره وتقدمه و ازدهاره, إن مثل هذه السيناريو هات وغيرها تدور في خلجات كل مواطن غيور علي بله أي كان أانتمائه وعرقه ,يتحسب قابل الأيام ويدعو الله أن يخرج الوطن من هذه الأزمة عبر قرارات حكيمة تضع حدا لمخلف التكهنات والشائعات التي ملئت الدنيا وشغلت الناس, وتقود البلد إلي عرس ديمقراطي جديد .