أتيحت لي الفرصة ان اقيم في بلدان ذات مناخ شبه استوائي و استوائي ، مثل بنين و نيجيريا و أثيوبيا ، الأمطار في هذه الأقاليم تستمر ستة اشهر متوالية بدون توقف تقريبا و معدلات الأمطار تصل في يوم واحد أحيانا الى 500 مليمتر و الناس تمارس حياتها بشكل طبيعي تماما ،
الشيء الذي لم اتصوره و لا يمكن ان يقبل به عاقل هو ان تتسبب 40 مليمتر بإغراق مدينة و مع هذا نجد بعض ضعاف الأنفس من التبريريين المحترفين يحاول ان يصور الأمر و كأنه شيء طبيعي ، و كأننا تعرضنا لإعصار أو تسونامي او فيضان.
أتذكر أنني منذ سنوات كنت اناقش أخي المرحوم أحمد محمود ولد الشيخ محمد الحسين حول أخطار غرق نواكشوط بسبب ارتفاع مستوى البحر بصفته مهندس مياه ، و كان جوابه ان الخطر الحقيقي ليس البحر بل هو ارتفاع مستوى المياه السطحية و انه اذا استمر الأمر لسنوات فإن المياه قد تخرج للسطح و تهدم المدينة عن بكرة ابيها ، او الاحتمال الآخر ان تفقد التربة قابليتها لامتصاص مياه الأمطار بسبب تشبعها بالماء.
هناك تجار خسروا كل ما يلمكون ، و هناك بيوت لم تعد صالحة للسكن البشري و مئات الآلاف ممن سيصابون بأمراض مزمنة بسبب المياه الملوثة و تسربها الى شبكات المياه المهترئة و مع هذا تسمر الأيدي المصفقة و الألسن المنافقة في التبرير و البحث عن الحجج لإنقاذ ماء وجه نظام العفونة و اللصوصية الذي اختلس في السنوات الأخيرة ما يكفي لشبكة صرف صحي تغطي كل مدن موريتانيا ، صفقة السنوسي 250 مليون دولار ، منهوبات سونيمكس 100 مليون دولار ، امتيازات السكر للغدة السرطانية 230 مليون دولار ، اموال المنحة السعودية 50 مليون دولار و الكثير الكثير من الصفقات الجزئية التي تصل الى ارقام فلكية.
الحقيقة المرة اننا نستحق ما نحن فيه أئمتنا منافقون ، مثقفونا مشغولون بهز اوراكهم لإطراب الحكام و جل شبابنا مشغول في متابعة الدوري الإسباني و عسكرنا مهموم بالمنافسة في بناء القصور في تفرغ زينة و مطاردة الغانيات ، شيوخ قبائلنا و وجهائنا يصطفون على ابواب السلطة في سباق محموم للعق الأحذية و تقبيل الأرجل و التغني بأمجاد معارك الأجداد على معزاة او تيس و الفخر بمؤلفات تافهة في شرح حواشي شرح نظم كتاب اصفر لا يغني و لا يسمن من جوع.